المحافظات الساخنة ... وثلاثية العودة

تعددت ازمات العراقيين بعد الاحتلال الامريكي والايراني عام 2003, فكانت هناك معاناة على جميع الاصعدة, الامنية منها والسياسية والاقتصادية والمجتمعية والبيئية وحتى الدينية, غير ان ما عانته المحافظات التي تعرف اليوم بالساخنة اضافة الى العاصمة بغداد كان اضعاف ما عانته غيرها, فقد تحملت هذه المحافظات ضغطا رهيبا بعد تصديها لشرف حمل لواء مقاومة الاحتلال وافشال مشاريعه في العراق.



هذه المقاومة التي قادت الى اخراج المحتل الامريكي من العراق كان لها نتيجتين رئيسيتين: اولاهما استغلال هذه البيئة المقاومة لضربها من الداخل عن طريق مجاميع متشددة مخترقة من قبل اجهزة مخابراتية اقليمية ودولية, فافشلت مشروع المقاومة الرشيدة وجعلت المتصيدون في الماء العكر يقطفون ثمار التضحيات التي قدمها ابناء تلك المناطق .



النتيجة الثانية التي ترتبت على المقاومة "السنية" كانت وصف ابناء هذا المكون والمناطق بالارهاب, وبانهم اقلية متمردة, فقتل الالاف منهم وزج مئات الالوف منهم بالسجون وشردت اعداد اخرى الى خارج البلد, قبل ان تقود السياسات الحكومية باضطهاد هذه المناطق وتهميشها الى كارثة كبرى تمثلت في سقوط عديد المدن بيد تنظيم اهوج يدعي الدفاع عن السنة وهو يقتل ابنائهم ويخرب ديارهم, فاصبحت تلك المناطق بين سندان داعش ومطرقة القصف الحكومي وحلفائه اضافة الهجمات البربية للميليشات الطائفية, وهاهي المدن السنية اليوم امست خرابا بعد ان هجرها اهلها ودمرت الحملات العسكرية عمرانها وبناها التحتية.



ولان التاريخ يعيد نفسه, فمن دروسه نعلم ان دوام الحال من المحال, فان ما تقاسيه هذه المحافظات اليوم لا بد له من نهاية اذا توفرت العوامل التي من شانها ان تعدل كفة الميزان, وتمسح عن الجباه تعب السنين العجاف, وتعيد البسمة الى اطفالها..



وهذا لن يتم الا بثلاث خطوات رئيسية :

1- ان يتم تحرير هذه المناطق من سيطرة داعش والميليشيات بالتعاون مع ابناء هذه المحافظات, وهذا يقتضي تسليح العشائر السنية وتجهيزها, واقرار قانون الحرس الوطني ليكون مظلة دستورية لهذه القوات التي ينبغي ان تقودها خبرات من الجيش العراقي السابق صاحب البطولات والخبرة الحربية الكبيرة, بتعاون جاد من الجيش العراقي وقوات التحالف الدولي, مع ابعاد ايران واتباعها بصورة كاملة عن المشهد لانها اصل الداء, وسبب البلاء.



2- تامين هذه المناطق وتحصينها للقضاء على اي فرصة لعودة المجاميع الضالة, من خلال تأمين حدودها سواء الحدود الغربية لنينوى والانبار, او الشرقية لديالى, وانهاء اي وجود لمقاتلين من خارج هذه المحافظات, كما ان تامينها فكريا امر لابد منه خصوصا مع وجود بيئة رافضة للافكار الهدامة التي قادت الى الدمار وسفك الدماء , تلك الافكار التي تخالف شريعة الاسلام السمحة التي تهدف اول ما تهدف الى حفظ الضروريات من دين وارواح واعراض واموال , وهي نفسها الافكار التي قدمت خدمة مجانية لاعداء البلد والامة الاسلامية ككل.



3- اعمار ما خربه المجرمون في هذه المحافظات واصلاح ما دمرته الالة الحربية, واعادة عجلة الحياة الى الدوران من جديد, والقاعدة الذهبية تقول ان النجاح في العمل السياسي يبدأ من تقديم الخدمات للناس, وهو ما يسمى "الاصلاح بالتنمية". ولاننسى ان النفوس التي اتعبتها الازمات وتوالت عليها المشاكل هي الاخرى بحاجة الى اعمار واصلاح.



وقطعا فان النقاط الثلاث انفة الذكر بحاجة الى جهود متظافرة, وعمل مظن, يسبقه نوايا صادقة تهدف الى انقاذ البلد, فهي ليست سهلة التحقيق ولكنها ليست مستحيلة, فالظلم لا يدوم, ودولة الباطل ساعة, ودعوات المظلومين ودمعات الاطفال واستغاثة الامهات, سهام قد تعجل بفرج الله على من ضاقت بهم السبل, ولم يجدوا لهم الا الله ناصرا ولا معينا..



دع المقادير تجري في اعنتها ولا تبيتن الا خالي البال

ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال الى حال