ليالي قريش.. الليلة التاسعة

علشان يكون عندك مركز تجارة لازم تتوفر شوية حاجات:

أولا: الوعي الكافي بـ اللي حاصل عندك واللي حاصل برّاك، لازم تكون فاهم يعني إيه تحالفات دولية، ومين مع مين، ومين ضد مين، ودي طبعا توافرت لـ قصي وما توافرتش لـ حد قبله، على الأقل بسبب تربيته وتعليمه بره مكة في منطقة متحضرة داخلة في خريطة "الحياة" وقتها.

بس حتى لو مكنش اتربى بره، دي فروق فردية، من الوارد تحصيلها لأي فرد يقدر يكون هو الطفرة لـ قومه وبلده، كمان النقطة دي مش كل حاجة، دي بس حاجة أولية خالص.

ثانيا: الإرادة السياسية، ودي بانت بدري قوي عند قصي، من ساعة رجوعه، وفي "المنمق" لـ ابن حبيب نقرا إن أول فلوس كسبها قصي، كانت لما تاجر حبشي كبير، دخل مكة يتاجر، وبعد ما ادى وبعد ما خد، وباع واشترى، قصي خد رجالة، ومشي وراه، أول ما طلع من مكة، قتله، وخد كل اللي معاه، ورجع بيه.

أعتقد إن اللي فارق مع واحد زي قصي مش القرشين اللي مع الراجل، مهما كانوا كتير، لأن حركة زي دي مع تاجر من الحبشة، القوية، حليفة الرومان، أكيد هـ تسمّع، وهـ تقطع رجلين التجار من المنطقة دي نوهائي. هو ده بالظبط اللي كان محتاجه، قدر من الاستقلال، إحنا اللي هـ نمشّي التجارة في المنطقة دي، مش محتاجين حد ييجي يتاجر لنا.

هـ تلاقي الحكاية دي منسوبة لـ ابن عباس، بس هو قايل إن الراجل لما جه مكة، حضرته الوفاة، فـ وهب فلوسه لـ قصي!

وده بالنسبة لي كلام عيب نصدقه، يعني الراجل ده جي من الحبشة لـ مكة يتاجر لـ وحده؟! مكنش حتى واخد معاه كام عبد على جارية يونسوه في السكة، ويرجعوا بـ الفلوس؟!

وازاي قصي الراجل الشريف كبير مكة وزعيمها، و"أبعدها رأيا ، وأصدقها لهجة، وأوسعها بذلا، وأبينها عفافا" بحسب تعبيرات ابن عباس يقبل فلوس الراجل لمجرد إنه حضرته الوفاة في بلده، وما رجعهاش مع أي تاجر تاني، الفكرة هنا بعيدة خالص.  

أصلا ابن عباس في حكايته (إذا كانت فعلا ليه) ما جابش سيرة أي صراع مع الخزاعيين، ولا حروب ولا تحكيم، قال إنه لما رجع مكة، خلوه رئيسهم كده خبط لزق، علشان هم عرفوا هو قد إيه راجل فاضل وعظيم وكان أجدع واحد في مكة. فـ إذا خدنا في الاعتبار إن قصي هو واحد من أجداد ابن عباس القريبين (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي) نفهم ليه ابن عباس يحكي الحكاية كده.

يعني إنت بـ تتهم بن عباس الصحابي الجليل، ابن عم رسول الله بـ الكدب؟

لا، مش شرط، كدب، ممكن تكون الحكاية اتحكت بـ أكتر من طريقة، وابن عباس صدق الرواية دي وحكاها كده، وجايز أصلا ما قالهاش، والرواة نسبوهاله، وأصلا مفيش أي اهتمام في روايتنا لـ "ليالي قريش" بـ فكرة الصدق والكدب والصح والغلط، الحكاية بس إيه المنطقي أكتر، واللي عايز يصدق أي حكاية يصدقها.

حكاية القتل أكتر منطقية خصوصا لما نعرف إنه بعدها فعلا مكة بدأت تسيطر على التجارة، ولما تولى قصي، نظم الدنيا بـ حيث بقت مكة هي صاحبة توكيل نقل البضايع في المحيط، قبل ما تتوسع بعد كده أيام هاشم، زي ما هـ نشوف.

على أية حال، يفضل النقطتين دول حاجات بسيطة بالنسبة للي عمله قصي علشان يبقى عنده في مكة مركز  تجاري، ولو صغير، فـ ابقوا معنا.