هناك بريمر وهنا مطشر

في مفارقة الزمان أن يجيء لنهارك ظل لم يحسب يوما في حياته أن يكون في هذا المكان ، ويغيب ظل من هذا المكان ولم يجول في خاطره أنه يفارقه في يوم ما .
ثنائية بول بريمر وعواد مطشر في مكان أسمه الهور الأخضر في مدينة الجبايش ، هي ثانية القدر في المكان ، منذ أن حمل جلجامش  حقيبة سفره ليبحث عن شيء أحلامه تقول أنه موجود وحواسه تقول أنه وهم وليس له وجود ، وبالآخر انتصرت الحواس على الحلم ، وعاد فتى أوروك خاليَّ الوفاض ، ولأن عواد مطشر أراد أن يثبت بأن جلجامش لم يفتش جيدا وأنه تناول حبوب ( فاليوم ) ونام فأخذ منه الثعبان ( العربيد ) ما تحمل لأجله وعليه أن يعيد تصوراته الجديدة للحياة بدون عشبة خلود  ، فما يجلبه قد يمنحه القوة ليفك السداد الترابية عن الهور ليعيد الحياة الى قريته التي جف أضرع جواميسها وحمل اهلها حقائبهم وهاجروا ومنهم تلميذي ( عواد مطشر ) الذي لجأ الى معسكر رفحاء وجاءت الامم المتحدة لتختار له مدينة لاهاي الهولندية وصار يكاتبني بين فترة وفترة ، وفي واحدة من رسائله كتب لي :اليوم ( بول بريمر ) استراح بمشحوفه قرب مضيف ابي الحاج مطشر ، لكن المكان من دون دلال قهوة وأبي لن يستقبل ضيفه ليسأله : من انت .لتأتي مع العساكر والصحفيين ، عن أي شيء تسأل ، وما ذا تصورون ، أن اردتم الجنة تعود كما سابق عهدها ، اجلبوا الشفلات بدل وكالات الانباء ، وأرسلوا بدل بول بريمر كل وزراء الحكومة.

أبي سكن الثرى ولم يعد يملك قوة الاحتجاج مثلما فعلها  في وجه ضابط التجنيد عندما كَبروا عمري من اجل سوقي للجيش حين قال لهم :الاطفال لا يذهبون للحرب .

تعجب الضابط من عبارة ابي وهمس في أذن ابي : تفاجئتُ من ردُكَ ايها المعيدي ، واحترم عبارتكَ هذه.

همس للعريف ( علوش جهيد ) كاتب التجنيد وقال :علوش صَغرهُ خمسة سنوات واجعل عمره اربعة عشر عاما .

لقد كان المرحوم شغاتي يعلم اباءنا كيف يحولوا ما يحسوه الى كلمات .

كلام تلميذي أعاد لي نبوءة لشغاتي سكنته ذات يوم وقد انهى مثلي قراءة قصيدة والت ويتمان قصيدته ( أغنية نفسي ) : الكل جاء هنا ، الانكليز والالمان واليابانيون وهنود سيخ ، فرس وترك ورومان ، قرامطة وزنج وحتى من اذربيجان ، عدا الامريكان لم يجيئوا الى الآن ؟

لم يقل شغاتي متى يأتون ، ولكنه حين يتأمل غلاف مجلة فنية عليها صورة الممثلة ( مارلين مونرو ) ، حدس ما في داخله يهتف : ستكونين يوما ما هنا ؟

قلت : ولكنها انتحرت .

ــ اولاد عمها ، أخوالها .

قلت : الوهم صار يسكنك ، تريدهم يأتون لك بالبسكويت والنساتل كتلك التي جلبها المنقبون .

قال بذكاء :نعم مثل البسكويت الذي جلبتهُ الى فيتنام.

قلت لعواد في جواب على إيميله :بإمكانك أن تكتب في الأنترنيت والصحافة ما تريده وتتمناه وتشعر به أزاء استراحة بول بريمر قرب مضيف ابيك.

بعد يومين قرأت في موقع الكتروني ما يتمناه عواد مطشر من اجل الأهوار وقريته ، وفي خيالي مفارقة الصورة التي يتحدث عنها حول زيارة الحاكم المدني لقريتهم ، وكتبت تعليقا تحت المقال وبتوقيع ( معلمك القديم ) :هناكَ بريمر وهنا مطشر.