اغبياء العصر

يعجبني من قال إن الغباء موهبة. استوقفتني هذه "الموهبة" التي راج سوقها بشكل ملحوظ. خطر ببالي أن سببها الأول هو الطائفية. الطائفي غبي لسبب بسيط جدا: انه لا يدرك بأنه طائفي. لا بل ويشتم الطائفيين أحيانا ظاناً انه ليس منهم. بس شيفهم حجي أحمد آغا؟
ثم ظننت ان السبب هو الحروب التي ابتلي بها العراق على مدى عقود. والحروب مجلبة للغباء كما تعلمون. لذا ما من حاكم دموي تطربه الحروب إلا وتجد أول أعماله غسل أدمغة الشعب لإفراغها من التفكير المنطقي. تفضلوا راجعوا أغاني الحروب وهوساتها وأشروا بأنفسكم كيف انها في المحصلة ضحك على عقول البسطاء للمتاجرة بدمائهم.
أغلبنا يتذكر ثورة العشرين ويعتز بها. وشحدّه الما يعتز؟ لكن استحلفكم بضمائركم ان تجيبوا بصدق ذلك الذي هوّس: الطوب أحسن لو مكواري؟ أنا أقول انه الطوب واتحمل تبعات قولي. فما الذي ترونه؟
لا انكر أهمية ثورة العشرين كإرث عراقي وطني. لكني أتساءل لماذا لم نتوارث منها تلك الهوسات التي فيها نفحة عقل، رغم ندرتها؟
أتعرفون بأن هوسات أهل السماوة كانت أكثر واقعية وعقلانية من هوسات المناطق الأخرى؟ خذوا عشيرة الظوالم، مثلا، يوم هوّس مهوالها قبل 95 عاما تقريبا: "بس لا يتعلّك بامريكا" محذرا من استنجاد الإنكليز بها. وبعد كل هذه السنين التي تعادل قرنا تقريبا، يأتيك من يهوس للحاكم بأن اسمه هز أمريكا. وآخر يشتري العداوة معها بأي ثمن حتى لو كان انهاراً من الدماء وتلالاً من الخراب!
وفي السماوة أيضا كانت لنا جدة هناك كأنها العقل كله. هاكم اقرأوا كيف تخاطب الناس وكأنها ترسم منهاجا عمليا لبناء انسان عراقي نحتاجه اليوم أكثر من زمانها:
يدور الوكت وتدور الايام ونحصّل على كل المرام
ولا بد نسل لعدانه الاسهام ونحافظ اعله وجوه الاكرام
او نحچــي ابحــريـة الكلام ســـونــــــه فـــرد نيّــــــــه يعــــــلاّم
وخلنـــه ســـوه انــــــــداوم دوام وعــراكنــه ـميشــــوم لـــو كام
استوقفتني في تركيزها على "حريّة الكلام". والاجمل انها تدعو الرب لتوحيد نوايا العراقيين كي يذهبوا للعمل معاً. إنها دعوة لقبر الطائفية والانفتاح على الآخر والإيمان بحريته. رحمكِ الله أيتها القروية المتنورة وانت في تلك الأيام التي لم يكن فيها حولك جامعات ولا مدارس ولا انترنت وموبايلات مع ذلك وضعت اصبعك على داء العراق ودوائه.
يا جدتاه انا معك بأن العراق يصنع المعجزات لو نهض. وان تأخر في نهوضه، فوحق روحك الطاهرة، ليست العلة فيه، بل بأغبياء العصر.