ليالي قريش ١٥

مات قصي، وخلف ستة: عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبد قصي دول رجالة، وبرة وتخمر اتنين ستات. الملاحظ إن أسماء الرجالة كلها "عبد كذا"، وده لأنها مش أسماؤهم دي أسماء اداها لهم قصي، زي ما تقول ألقاب، مثلا عبد الدار اسمه الأصلي "كلاب" على اسم أبو قصي، وعبد مناف اسمه المغيرة، وهكذا.

توزيعة الأسماء المستعارة كانت مقصودة، بحسب ما ورد على لسان قصي شخصيا: واحد بـ اسم الدار (بمعنى الوطن) "عبد الدار"، واتنين بـ اسم الإله: "عبد مناف" و"عبد العزى"، والأخير بـ اسم نفسه "عبد قصي"، وده اتعرف في التاريخ بـ اسم "عبد" كده وخلاص، فـ واضح إن كلمة عبد مكنتش بـ الدلالة اللي عرفناها بيها. ولاحظ إن قصي سمى بـ اسم الدار قبل ما يسمي بـ الآلهة.

مناف والعزى كانوا إلهين عند قريش، أو على الأدق إله وإلهة، والتسمية بيهم بقت عادة عربية، لـ درجة إن فيه رواية إن النبي نفسه كان ليه ولدين قبل البعثة اسمهم عبد مناف وعبد العزى ماتوا صغيرين، الرواية عن الهيثم بن عدي عن هشام بن عروة عن عروة نفسه، وعروة وابنه معترف بيهم عند أهل الحديث أكتر بـ كتير من الهيثم، علشان كده دي من الروايات اللي بـ يكذبوها بـ إصرار، وتمام، الله أعلم.

المهم، إنه في حياة قصي كان عبد مناف، مع إنه مش الأكبر، الأكثر نشاطًا وهمة وذكرًا، هو وولاده  عن الابن الأكبر اللي هو عبد الدار، بس في أواخر حياة قصي أمر لـ عبد الدار بـ كل حاجة: السقاية والرفادة والندوة واللواء وكل حاجة، بـ حيث يورث الابن الأكبر  مسئوليات ابنه كاملة، ويحل محله.

لما مات قصي كان ولاد ولاده كبروا، والقرار اللي خده في صالح عبد الدار طبعا ما عجبش عبد مناف وولاده، فـ اعترضوا وطالبوا بـ حقهم في مسئوليات الدولة، في حين أصر ولاد عبد الدار على تنفيذ قرارات قصي في حياته، واستمرار الوضع بعد مماته.

الوضع ده هدد بـ أول حرب أهلية داخل الدولة القرشية، لأن الخلاف تجاوز الأخين وولادهم، يعني من ولاد عبد العزى كان فيه أسد بن عبد العزى، اللي هـ ييجي من نسله خديجة بنت خويلد وورقة بن نوفل، والزبير بن العوام، أسد وولاده انحازوا لـ عبد مناف، ومعاهم كمان ولاد زهرة بن كلاب (أخو قصي)، ومن نسل زهرة هـ ييجي عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وآمنة بنت وهب أم النبي.

كان في معسكر عبد مناف كمان ولاد تيم بن مرة، اللي هـ ييجي منهم الخليفة أبو بكر الصديق، وولاد الحارث بن فهر، اللي منهم أبو عبيدة الجراح. والمعسكر ده اتسمى "حلف المطيبين"؛ لأنهم جابوا طيب (عطور) وحطوا إيديهم فيه علشان يقسموا على التحالف.

المعسكر التاني كان فيه عبد الدار وولاده، ومعاهم ولاد مخزوم، اللي منهم الوليد بن المغيرة وأبو الحكم المعروف في التراث الإسلامي بـ اسم أبو جهل. ومعاهم ولاد سهم، اللي منهم العاص بن وائل، وولاده عمهم جمح، اللي منهم أمية بن خلف وعثمان بن مظعون،  وولاد عدي اللي منهم الخليفة عمر بن الخطاب. والحلف ده اتسمى حلف الأحلاف.

فيه بطون من قريش وقفت على الحياد، بس نظرة على التحالفات هـ نلاقي إن الكفة اللي انحازت لـ عبد مناف، أرجح، لأنها أقرب لـ قصي من الكفة التانية، ولأنهم أقوى، وعموما الكتب الإخبارية بـ تنحاز لـ عبد مناف وولاده بـ وضوح.

إيه بقى اللي حصل بين المعسكرين، والأمور راحت فين؟

الحلقة الجاية

استنونا