زرادشت ...والضابط الخفر !
                                      
 
 
اعادني  ما ظهر على بروفايل الاستاذ زهير كاظم عبود ، بشأن صدور كتابه " الزرادشتيه "  ، الى تلك الايام العصيبه ، ايام الرعب ، وتعلق حبل الوريد،  بتفسير جاهل او وشاية مغرض  او مزاج مخمور !  ذكرّني عنوان الكتاب ، بتلك الحادثة ، تلك الكوميديا السوداء او التراجيديا المضحكه ، لا فرق ،التي تعاود الحضور في عقلي وتثير مشاعري ، كلما سمعت او قرأت كلمة " زرادشت " : ففي تلك الليلة الليلاء من صيف 1982 شاء سوء طالعي ان يأمر الضابط الخفر ، في مدرسة المشاة في الموصل ، بتفتيش السجن . كنت موقوفا هناك ، منذ بضعة اشهر ،  بعد انتهاء التحقيق في الاستخبارات العسكرية العامة ، منتظرا محاكمتي .  اقول ، شاء سوء طالعي ان تتمخض جولة التفتيش، تلك ،عن العثور على كتاب خطير بحوزتي : " هكذا تكلم زرادشت " لنيتشه ، وعندها جنً جنون الضابط وانفتحت ابواب الجحيم ، فانا لا اكتفي بكل جرائمي السياسية وانما اضيف اليها الادهى والامر "المجوسيه " :
" منو زرادشت ؟ ... قل لي.. اليس هو نبي المجوس ، عَبَدة النار، هالمرة صرتوا مجوس ؟!!
" سيدي ، ليس الامر كذلك ، صدقّني ، والكتاب لا علاقة له بالمجوس !!
" تعلمّني هاالمره ؟!... الكتاب يقرأ من عنوانه  . يعني اني جاهل... وانت مثقف جنابك الكسيف؟ "
ورحت  ابذل وسعي في اقناعه ومحاولة ان لايصل الى ما يمكن ان يصل اليه ، من احالة الامر الى التحقيق او الاستخبارات ، او اي شيء من هذا القبيل ، فذلك قد يكون القشة التي تقصم ظهر البعير  و قد يذهب جلدي الى الدباغ  وعندها، ربما اعترفت بانني مجوسي ابن مجوسي الى سابع ظهر ، و سيودي بي ، بكل بساطة ، سؤ فهم  عابر وحدث تافه بل وفي منتهى التفاهة ، بعد ان حسبتُ انني عبرتُ البحور التحقيقية السبعه بسلام  مطمئنا الى ان : هالمرّه سلمتْ الجرّة .
" سيدي ...هذا المؤلف  فيلسوف الماني ، اسمه نيتشه...."
" شنو ؟..  ليش مو " ني .... "  فَدْ مرّهْ ، هاي شلّك بيها ، شنو احنه  زواج  كدامك ، تمّشي علينه الفشار وتكول اسم فيلسوف؟"
" عفوا سيدي ، حاشا  جنابك ان اقصد ذلك ولكن انظر حضرتك ، اسمه فردريك نيت....شه، وضغطت ، مؤّكدا، على مخارج الاصوات ،وهو فيلسوف الماني  يؤمن بفلسفه القوة والسوبرمان ..."
" لا تتفلسفلي.. راح اكتب للاستخبارات وانت وياهم تنجاز .."
والتفتَ الى عريف الخفر :
" عريف صباح اخذ الكتاب وياك"
وكانت هذه هي النقطه الاكثر اثارة للرعب عندي ، فانا اعرف ما تعنيه الاستخبارات ، وكنت قد افلّتُ ، بالكاد ، وخلال تحقيق طويل ،  من تُهم عديده دفعتُ ثمن الخلاص من حبا ئلها من جلدي ودمي وعظامي وتلف اعصابي ... فما بالك بزرادشت والمجوس ونحن في حرب مع " الفرس المجوس " ؟!
وهنا خطرت لي تلك الفكرة العظيمة ، والتي اكدّتْ لي حقا ، ان الحلول تاتي مع المعضلات وان الحاجه ام الاختراع، فتمسكت بالقشه الاخيره  :
" سيدي ، هذا الفيلسوف من اهّم رواد القوميه ، وكان القائد المؤسس، ميشيل عفلق ، متاثرا به..."
" شنو هالحجي... القائد المؤسس عربي اصيل وما يتأثر بالاجانب..."
" فعلا سيدي ، ولكن هذا الفيلسوف  يدعو الى القوة والى الانسان القوي والعنصر القوي والخلق المتين وقد تأثر به القوميون الالمان وكذلك العرب ..."
"لعد شنو زرادشت .. يابه ؟! "
" سيدي، هاي ايسموها استعاره تاريخيه ، حتى يعّبر عن افكاره ، ولأن زرادشت، كما  كان يعتقد، فهم  ان العالم صراع  بين الظلمة و النور و...."
" يعني هو هذا ، فيلسوفك الالماني ،عاف انبياء الله الصالحين كلهم وراح على  زرادشت ، لعد شكد مُطّي ابن مُطي!...."
وانفرجت اساريره ، بل وغرق  في قهقهة دمعت لها عيناه ، رافقه  ، في الضحك، صدقا او خشية، العريف الخفر ،  ثم انبسطت اسارير الموقوفين ، بعد توتر املته اللحظات العصيبه التي مرّتْ ، فضحكوا ، واخيرا سَرَتْ العدوى اليّ ، فاغتصبت من نفسي ضحكة وجله  ، متوجسه ،  كتلك التي يضحكها سمير الشيخلي او عزة الدوري اثر نكته يطلقها صدام حسين .
" ياللا ، عريف صباح ، احرق هذا الكتاب ، بخيره وشره ، وانت بابه..." والتفت اليّ بعينين تبرقان بوميض سكر وانشراح :
" احمد الله انك وقعت بيد ضابط مثقف ، يتفّهم  ، انصرف الى مايفيدك، بعد الان ، واترك هذا الخريط ..