«داعش».. تذبح وتدمر وتسرق آثارًا!

في بلادنا العربية كل ما تتمناه أي دولة أو أمة أخرى بالعالم! عندنا الموارد الطبيعية والبشرية وعندنا تاريخ وآثار نتاج حضارات إنسانية رائعة بداية من الفرعونية وحضارات بلاد النهرين سومر وأكد وبابل وأشور؛ والفينيقية في فلسطين ولبنان؛ وحضارات اليمن الذي كان يطلق عليه اليمن السعيد ومنها حضارات مأرب وسبأ ووصولا إلى الحضارة الإسلامية العظيمة. في بلادنا كل شيء تقريبا ولكن هل نعي فعلا قيمة ما نملك؟ وهل نحافظ عليه بالشكل المطلوب لكي يصل سليما تتوارثه منا الأجيال القادمة؟ هذه هي الأسئلة المهمة التي تحتاج إلى مناقشة عقلانية بعيدا عن الأهواء، لكي نضع الروشتة الضرورية للحفاظ على أعز ما نملك وهو تراثنا وآثارنا.
من الظلم أن يتهم الأثريون العرب بالتقصير في الحفاظ على الآثار.. فماذا كان مطلوبا من أمناء متحف العراق الوطني - أو متحف بغداد كما هو معروف للعامة - في الفترة من 8 وحتى 12 أبريل (نيسان) من عام 2003 وجماعات مسلحة تندفع إلى المتحف الذي لا يحميه شرطي واحد لسرقة الآثار؟ لم يكن بوسعهم أكثر مما فعلوه وهم عزل! ونفس الشيء ينطبق على ما حدث بمتحف الموصل؛ الذي للأسف الشديد كان يستعد لإعادة افتتاحه منذ إغلاقه بعد الاحتلال الأميركي للعراق؛ ولكن الدواعش لم يتورعوا عن سرقة آثار المتحف ثم تخريبه وتحطيم التماثيل التي لا يمكن حملها وتهريبها؟ وبالطبع لا يمكن إلقاء اللوم على أمناء المتحف فليس في أيديهم شيء يفعلونه! وأيضا ما قام به الدواعش في مدينة نمرود الأثرية التي جرفوها بالجرافات بعد سرقتها ونهبها! وفي سوريا وليبيا واليمن الآثار تنهب وتدمر على يد «داعش» وغيرها من جماعات الظلام الذي يريدوننا أن نعيش فيه!
هذه رسالة إلى كل الأثريين بالدول التي تتعرض للإرهاب والصراعات المسلحة الآن، عليكم إخفاء آثار متاحفكم في سراديب مؤمنة أو مخازن أسفل الأرض؛ التي توجد بكل متاحفنا تقريبا التي أنشئت قبل أو بعد الحرب العالمية الأولى. علينا نقل الآثار المهددة وإخفاؤها وإغلاق المداخل لهذه السراديب أو المخازن بالمونة المسلحة إلى أن تنتهي الحرب على الإرهاب وتستقر أمور بلادنا فنعيد فتح متاحفنا مرة أخرى. لقد استطاع لبنان أن يحمي جانبا كبيرا من آثار متحف بيروت القومي أثناء الحروب الأهلية بأن قام الأثريون بتخزين الآثار في المخازن التي تقع أسفل المتحف وسدت مداخلها بالإسمنت المسلح؛ أما الآثار التي كان من الصعب نقلها لمخازن مؤمنة فقد قاموا ببناء جدران مسلحة حولها.
أما حماية المناطق الأثرية وقت الصراعات والحروب فهذا موضوع يحتاج إلى أكثر من خطة طوارئ وإدارة أزمات بمفهوم علمي فلكل منطقة أثرية طبيعتها الخاصة وظروفها المكانية والجغرافية. وبعض المناطق يسهل ردمها بالرمال النظيفة أو حتى التربة لكي نحفظها من الدمار والهدم! وهناك مناطق أخرى لا ينفع معها سوى وجود قوات مسلحة مرابطة للدفاع عنها.
الأمر جد خطير وعلينا أن نبدأ اليوم قبل الغد في اتخاذ خطوات ضرورية لحفظ آثارنا من الدمار. هناك ضرورة ملحة للنظر إلى ما يحيق بتراثنا من مخاطر، وقد اقترحت ضرورة وجود قوة عربية مسلحة للحفاظ على المناطق الأثرية المهددة بالدمار وتجريم المساس بآثار الدول التي تعاني من الصراعات المسلحة، وكلامي هذا منشور بجريدة «LA Times» في 13 مارس (آذار) الماضي حيث كنت أحاضر بمدينة لوس أنجليس عندما دمر الدواعش متحف الموصل وطلب مني عمل حوار مع محرر الجريدة عما يتعرض له تراثنا الأثري. نعم «داعش» تذبح وتحرق البشر لكنها أيضا تغتال تاريخنا وتحرمنا من الماضي وتمحو ذاكرتنا وعلينا المواجهة بشجاعة.