سيناريوهات الإرهاب والخراب
 
ما من أمة تعرضت للتمزق والتشرذم والتفكك مثلما تعرضت له هذه الأمة، وما من أمة نالت من أخطاء حكامها، وهفواتهم المتكررة مثلما نالت هذه الأمة، ولا توجد أمة تفنن زعماؤها في تنفيذ مشاريع الإرهاب والخراب مثل هذه الأمة، التي اختارت الانجراف بمحض إرادتها نحو الهاوية، حتى أصبحت على مشارف السقوط في دوامات الفوضى الخلّاقة، فقد شهدت مدننا خراباً شاملاً لا مثيل، وتطوع زعماؤنا بأنفسهم في هذه المرحلة المأساوية القلقة، ليمهدوا الطريق إلى ما يسمى (مشروع الشرق الأوسط الكبير).
كان العراق هو الهدف الأول لبلدوزرات التدمير والتقسيم، ثم انتقلت إلى السودان، فليبيا، فتونس، فسوريا، حتى اقترب المشهد السياسي الآن من سيناريوهات إسقاط أكبر دولتين عربيتين، ليخيم شبح التقسيم في أرجاء العالم العربي الممتد من طنجة إلى الفلوجة، ومن طرابلس الليبية إلى طرابلس اللبنانية.
لم يكن ظهور (داعش)، التي يدافع عنها الأعراب الآن، من باب الصدفة. ولم يكن ظهورها بهذا التجهيز التعبوي المرعب إلا لكي تعصف بالعرب والمسلمين، وتعيدهم إلى خنادق الحروب الطائفية الأولى، لكنها ستكون هذه المرة من الحروب الطويلة الأمد، وبالتالي فأن البلدان التي كانت تنأى بنفسها عن هذا الصراع المتفجر بالكوارث، ستجد نفسها من الأطراف الغارقة حتى أذنيها في مستنقعات التخبط السياسي الطائفي.
لقد برعت أمريكا بتجسيد دورها التآمري، وكأنها هي التي تحارب داعش، لكنها في حقيقة الأمر هي التي تمسك بخيوط لعبة التفكيك والتركيب، وهي التي تضيف الرياح القوية للمهزلة، التي ستضع الأقطار الخليجية في فوهة البركان. وربما ستجبرها الظروف القاهرة إلى الاستعانة بعناصر القاعدة من أجل مواجهة الحوثيين، والدخول في نفق الحرب الاستنزافية الطويلة الأمد. بمعنى أن القاعدة ستعود للظهور مرة أخرى في الجبال العمانية واليمنية الوعرة، وستظهر أمريكا وكأنها هي التي تحارب القاعدة، في الوقت الذي تقوم فيه بتجهيز أوكارها بما تحتاجه من أسلحة الفتك والتدمير والخراب. وستفتح روسي دكاكينها التسليحية في أسواق الصراع العربي. فبورصة الإرهاب والخراب مفتوحة هنا على مصاريعها لأي قطب من أقطاب الصراع الدولي بمعسكراته القديمة والجديدة.
فالفيلم الذي شاهدنا بعض فصوله على شاشات سوريا والعراق، سيعاد عرضه مجاناً وبالألوان على شاشات سد مأرب، وعلى شاشات سيناء التي ستتحول إلى ثكنة عسكرية جبارة تهدد الشمال الأفريقي برمته، وتفرض نفوذها على حوض البحر الأحمر من مضايق تيران إلى مضيق باب المندب، وستعمل أمريكا على توسيع رقعة الدواعش في ليبيا لتهدد الجزائر، وربما تتمدد حتى تحرق موريتانيا والمغرب. بينما ستجد المملكة السعودية نفسها عالقة بين كفتي الصراع المتأجج في العراق والصراع المتجدد في اليمن، وربما ستكتشف في وقت متأخر أن أمريكا نفسها هي التي وضعتها في هذا المأزق، ولن تكون مصر بعيدة عن شظايا هذا الصراع، فالأخوان وخلاياهم النائمة، سيستيقظون من جديد، ليحملوا معاولهم التخريبية، عندئذ سيكون الوقت مناسباً لإعلان قيام الدولة القبطية في صعيد مصر، على غرار الدولة المسيحية الانفصالية في جنوب السودان. وليس مستبعدا أن تشيد أمريكا أكبر قواعدها في قلب سيناء بذريعة الحرص على سلامة الملاحة الدولية عبر المضايق العربية، التي ضاقت بها السبل.
والله يستر من الجايات