مقبرة القمح المكسيكي




حصدت الحنطة المسمومة من أحلامنا شبابا وأطفالا بعمر دايات الرز النابت في حقول وأحلام أهل الاهوار بأن الصيهود سيأتي ليغمرها بالمياه ويخضر عودها ثم تتيبس لتحصد رزا يعوض جوع البطون الذي حُرمت في هذا العام من تناول القمح لشعور سكن الجميع أن جميع انواع القمح هو مسموم بسبب الحنطة المكسيمان التي وزعتها الحكومة والتي تم طلائها بالزئبق السام كسماد يحفظ جذورها من العث والبكتريا يوم تزرع في التربة ، لكن الفلاحون ومن اشتراها منهم من اهل قريتنا لم يصدقوا تحذيرات الحكومة فأكلوها فتسمم جراء ذلك الكثير من الفلاحين ورعاة الجواميس البسطاء واغلبهم من الاطفال الذين مزق الزئبق امعائهم.
كنا نتألم من ذلك الأسى الغريب الذي لونَ وجه أهل القرية وهم يدفنون ابناءهم في مقبرة مساحة يابسة ضاقت بالذين ماتوا بعد أن تعذر بسبب فيضان الماء أن تنقلهم الزوارق الى كراج الجبايش ومن هناك ينقلون ليدفنوا في مقبرة دار السلام بالنجف.
صورة المقبرة تعكس ما كانت أساطير أهل أور وسلالات الماء لتتحدث عن مصيبة كبيرة تنتظر كل قلب ، وعليه أن يرتدي ملامح محارب ليتغلب عليها ، ولكن هؤلاء المعدان الطيبين لم يرتدوا في حياتهم ملامح المحاربين ، لقد كانوا رعاة فقط ، ولم يتخيلوا عبر تأريخهم الطويل في هذا المكان أن تُعلن الحرب على وجودهم من قبل القمح الذي كانوا يأنسون اليه حين يصنعوه خبز سياح بعد أن يبادلوه بالحليب والقيمر والسمك والطير.
لقد سمعوا من اجدادهم أنهم خاضوا معارك وجود سريعة ضد الاسكندر وكورش والزنج والقرامطة والترك والانكليز لكنهم لم يعرفوا أنَ القمح استعمارا ايضا ويجيء اليهم اليوم بسيوفهم المسمومة ليذبحهم بألم الامعاء والالم المبرح ثم الموت.
في تلك الأيام مر عاشور ليكون شهورا وليس عشرة أيام وقد سكن البيوت اغتراب الوجوه التي الفوها وقد نقص اعداد تلاميذ مدرستنا من عشرين تلميذا الى سبعة فقط ، وكانوا يعيشون ذعر انهم ايضا اكلوا من خبز الحنطة المكسيكية لكن بلقمةٍ سريعة ، وعليهم أن يأخذوا العقار الذي جلبته الزوارق السريعة التابعة للصحة النهرية ، لكنَ وجوههم الصفراء ظلت تحمل الحزن العميق حين يشاهدون الرحلات الدراسية لزملاء كانوا قبل ايام يلهون معهم في ساحة المدرسة ويذهبون معهم في متعة رعي الجواميس او نصب الفخاخ للبط والفخاتي والقطا.
صورة الموت في عيون الأطفال صورة عظيمة الكآبة لم أجدها حتى في وجوه أولئك الذين سقطوا في حروب الربايا الشمال أيام حرب برزان وحرب طروادة أو تلك الحروب الصغيرة التي كانت تحدث بين العشائر .
هذه الكآبة أراقبها في صباح الذكريات وأتخيل قدرية الفقراء مع الحدث الذي لا يحسبون حسابه أن يكون القمح سببا لموتهم ، لهذا حملت تلك الصورة عن أساطير تلك الايام الحزينة وجعلتها مادة لحنين أجفاني ورغبتي باستعادة جمالية ذلك الحزن الذي كنت اشاهده في عيون شغاتي وكان لسان حالها يقول : أنت تعيش متعة قراءة قصائد المكسيكي اكتافيو باث .ونحن نموت بسبب القمح المكسيكي.