المصالحة الوطنية بين التعطيل وترتيب الأولويات

 

بعد ثلاثة عشر عاما من التغيير، تتعمق الخطوط الطائفية التي قسمت خارطة النظام السياسي العراقي طولا وعرضا، فالانتخابات – على اهميتها – لم تستطع إخفاء التشوهات التكوينية للديمقراطية العراقية التي روج الامريكيون لأن تكون مفتاحهم الى شرق اوسط جديد ينعم بالحرية والاستقرار.خلافا للاتفاق الذي ابرمته المعارضة العراقية – راغبة او مكرهة – مع الادارة الامريكية، على اقامة نظام وطني ديمقراطي بديل، فإن الولايات المتحدة، وفقا لشرعية القوة، والاحتلال الذي استحصلته لاحقا، لم تكتف بإسقاط نظام صدام بل أسقطت معه الدولة بمؤسساتها وشرعيتها، وهو ما انعطف بالساسة الجدد الى البحث، ضمن متاهات معقدة، عن هويتي الدولة ونظامها السياسي، في آن واحد.الاشكالية المركبة تلك، ادخلت البلد في دوامة الفوضى التي لم تكن خلاقة كما أشيع عنها، فالعمل السياسي  لم يعد مقيدا، بغياب مؤسسة الدولة، الا بضوابط اخلاقية، إنهارت هي الاخرى تحت وطأة التدخلات الخارجية، عن قرارات تم اتخاذها وتسييسها، من حل للجيش والاجهزة الامنية وتعطيل القوانين، التي سلمت مصير البلد لمخالب الفراغ في السلطة،  وللصراع الذي إنطلق ماراثونه مع صافرة  الاجتثاث التعسفي والمسيس لاحقا.لم تساعد طبيعة النظام السياسي الطائفي، بتشوهاته التكوينية، على مواجهة تلك التحديات، اذا لم تكن قد اسهمت في تسريع وتيرة تداعياتها المتفاقمة، وقد كان الخروج من هذا الكابوس، المحفوف بالدم والخراب والتهجير والفساد والعوز، متاحا لو أُحتكمَ الى التعامل المسؤول مع الفرصة التي افرزتها انتخابات العام 2010، وتم تبديدها بسبب ضيق الافق، الذي يمثل نتاجا طبيعيا لهكذا بنية سياسية طائفية.

 

طوال تلك السنين، ورغم التضحيات البشرية الجسيمة والدمار المروع، وفشل اساليب مواجهة الازمة، بتجلياتها الامنية والعسكرية، واستخدام انماط القوة والاكراه، فإن تركيبة النظام تعرقل اية خطوة جدية بإتجاه ريادة طريق المصالحة الحقيقية كنافذة اخيرة للخلاص .ان التجارب الانسانية الدولية الناجحة في مضمار المصالحة ، وكذلك مواثيق الشرف، وميثاق العمل السياسي، والتفاهمات والتعهدات، والنصوص والمقاصد الدستورية، اضافة الى البرامج الحكومية المتضمنة، والمطالب الشعبية والنخبوية، لم تفلح حتى الآن في خلق نيات حسنة لدى كثير من الفرقاء السياسيين للشروع بمصالحة حقيقية وشاملة، والتي لاتعني، باي حال مع الاحوال، التهاون مع المجرمين او الانتقاص من تضحيات المقاومين للدكتاتورية، فبعد اتفاق الرئاسات الثلاث على ايكال ملفها الى رئاسة الجمهورية، برمزيتها الدستورية والمعنوية، والدكتور اياد علاوي نائب رئيس الجمهورية، الراعي الاول لهذا المشروع، فإن هناك تراجعا عن هذا الالتزام اما لاعتبارات تتعلق بمحاولات تعويم هذا الملف من اطراف نافذة، او ارتباك في ترتيب الاولويات استنادا الى فهم مغلوط في التعامل مع التحديات التي يفرضها واقع الصراع مع الارهاب على الارض.

 

كل ذلك لم يمنع السيد علاوي، انطلاقا من ثوابته الاخلاقية والوطنية، وليس بعيدا عن مباركة الحكومة واطراف وقوى سياسية مهمة، من العمل دون كلل، ضمن البيئات الوطنية والاقليمية والدولية، للتقدم في هذا المسار وعدم الركون انتظارا لتوفر كامل المقومات التي قد لاتتهيأ في القريب العاجل لاسباب متباينة