الجاسوس الأكادي

من يعيش في قرى الأهوار زمنا أطول من سنة سيكتشف مع دورة الفصول الأربع أن هذا المكان هو الأقرب للبدء من أي خليقة أخرى ، بالرغم من أن أحد اليونانيون نقل لي عن ابيه الذي كان صديقا لكازانتزاكي الذي كتب رواية زوربا قولا للروائي اليوناني : الله فكر بأثينا قبل أي مدينة في العالم ، وفكر بزوربا بعد التفكير بآدم.
لا ادري أن كان الرجل صادقا في نقله فأن الرؤية الالحادية للروائي تعيدني الى المكان الذي اعتقد أنه اكثر بدءا في خليقة الكون من العاصمة اليونانية التي اتجول في شوارعها الآن وأستعيد الوجوه التي يؤسطرها صباح سومري أو أكادي في قرية من امكنة الاهوار اسمها ( أبو شعثه ). 
ذات يوم زار قريتنا عالم أثار بريطاني مختص في ( الأكاديات ) وقد جذبته معلومة سمعها من استاذه أن العرب هم الأكاديون الاوائل وأن سرجون الأكادي الذي امتلك جهات العالم الأربع له في هذه الأماكن امارات صغيرة أو أن من يعيش هنا هم بقايا مملكته التي وهنت بعد موته وتعرضت الى غزوات الفرس والاغريق والرومان والاقوام الاخرى لهذا قال لنا : انه اتى يحفر في اليشن القريب من قريتنا فلربما يكتشف شيئا اكديا.
وسرجون ظهر في مدينة كيش في نحو عام (2350 ق م) واستطاع الاستئثار بالسلطة وسرعان ما شكل جيشا فتح به المدن المجاورة لكيش، ولم يقف عند ذلك بل خاض معارك طاحنة ضد (لو كال زاكيزى) ملك أوروك حتى تغلب عليه وأخضع دويلات المدن السومرية الأخرى.
غاب العالم الآثاري بين الطلل ولم يعود سوى في المساء وكان طيب الروح والذكرى ( شغاتي ) يرافقه بعد ان اخذ اجازة لشهر وصار يذهب معه بأجر وتعلم مع الرجل مفردات كثيرة من الانكليزية ، وفاجئنا أنه بعد نهاية مهمة الرجل سيبدأ بقراءة مذكرات المس ( بيل ) التي كانت أول مديرا للمتحف العراقي وربما بعد تلك القراءة سيقرأ لفرجينا وولف التي كنت اتحدث عنها بأعجاب للعالم الآثاري بوجود شغاتي.
قلت ضاحكا : حتى تصبح مثلها جاسوسا للملكة فكتوريا .
قال بغضب : المعيدي لا يتجسس حتى على رمش جاموسته فكيف يتجسس على وطنه.
ترجمنا عبارة شغاتي للعالم الاثري ، فقال : انت اكادي حقيقي وحتما انت من نسل سرجون .
هذا النسب حمله شغاتي بفخر وقال لريكان : ارجوك أن تثقف اهل قريتنا بنسبي الجديد.
ضحك ريكان وقال : حتما سيضحكون منا ، لانهم لم يسمعوا بحياتهم بعشيرة اسمها اكد ، فقط يعرقون بني اسد وآل بو صالح وطوائفهم وبني خيكان.
ذهب العالم الاثري ، ولم يقطع رسائله عن شغاتي الذي اعتذر ليلبي دعوة العالم لزيارة لندن الذي اخبره انه نشر صورا له وهو يقود مشحوفه وأتى اكثر من مرة على ذكره عندما تحدث في محاضراته بالمتحف البريطاني عن رحلاته للكشف عن بقايا جبروت سرجون في مدن السلالات السومرية والأكادية الغابرة ، وكان يكتب على مظاريف رسائله التي تصل على عنوان مديرية التربية عبارة :