قراءة في قصيدة الشاعرة السورية الكبيرة فوزية اوزدمير

قراءة في قصيدة الشاعرة السورية الكبيرة فوزية اوزدمير
(قصيدة بلا عنوان)
عبد الرزاق عوده الغالبي
لا ادري ان الشاعرة الكبيرة فوزية اوزدمير ذات الحس المرهف الشجي تتعمد ان تترك بعض من قصائدها دون عنوان ، اهو اهمال منها ام استراتيجية ام دلال انثوي ام قوة في التاثير ، ولو طلب مني الاختيار لقلت ان هذا الدأب يفرز قوة في التاثير لوضع المتلقي في دوامة التفكير بمقابلة العنوان الذي سوف يستنتجه بنفسه وحسب ادراكه الحسي وهي فرصة رائعة تركتها الشاعرة للقاريء عمدا ان يفعل ذلك وانا واحد منهم ربما ادركت ما تضمر في تلك الجزئية البسيطة من اعمالها الغير معنونة وهذا تحليلي ولا ادري ما يجول بخاطر الشاعرة من اسباب او تبريرات وقد تكون ابعد مما اظن لذا اخذتها (قصيدة بلا عنوان)
بناء الكيان الجمالي للنص تجيد الشاعرة الكبيرة فوزية اوزدمير الكتابة في كل المدارس الشعرية وثلة من اعمالها الرائعة تنتمي الى المدرسة الواقعية وخصوصا تلك القصيدة لكون تلك المدرسة تتلائم مع شخصيتها الانسانية المعطائة ويضاف الى ان تلك المدرسة تهتم بقضايا الانسان وكفاحه اليومي ومتطلباته الحيوية وشاعرتنا من الادباء المنغمسين بهذا الاهتمام وشؤونه.... تجيد الشاعرة اسلوب السهل الممتنع الذي لا يمتطي نواصيه الا الشعراء الكبار مثل السياب ونازك الملائكة ونزار قباني ....ويغزوا كتاباتها اسلوب مغلف بالمحسنات البديعية والاختيار الدقيق للمفردات كما وانها تمتاز بسلاسة الاسلوب وانسياب المعنى بشكل متسلسل ثم تهتم اهتماما فائقا ببناء الحبكة الداخلية للقصيدة حتى تبدو قصائدها سردا قصيا شعريا يتحاكى وانفعالات ابطال القص مع مصاحبة الموسيقى الداخلية للجمل الشعرية باتقان ملحوظ مع الاجادة في وضع التفعيلة في المكان المناسب الذي يموسق الحدث و النسيج الشعري المتجانس وسوف نتمتع معا بذلك بشكل تفصيلي: تستهل قائلة: 
عندما أتأمَلك
تتّمرد الكلمات 
فوق الشفاه
ولا أستكين
يتوقف الزمن...
أرسمهُ لوحة ناطقة 
بين عينيك
لا اجد الشاعرة هنا تعني احدا سوى نفسها واظن انها تتأملها في المرآة طويلا وتشحن هذا التأمل انعكاسا لما يجول في دواخل خواطرها ليكون ظلا تائها لربما يخفي تحت جناحيه الم دفين يسكن ذاتها الانسانية المرهفة و المبنية اساسا من اجر معجون بالالم و مفخور بنار لواعجها المسافرة ربما نحو الياس او السعادة او الامل اذا كان العكس صحيحا..... واخيرا تلقي هذا الظل على اقرب من تحب....
وأسأل نفسي !!
كيف للحزن أنّ
يتسلل إلى مُقلتيك ؟ 
مُخطئ هذا الحزن !!
ويثبت هذا المقطع نوع التأمل السابق في مرآتها الخارجية والداخلية فتقسو على نفسها كثيرا كمن يضغط على جرحة ليوقف الالم او يذر الملح فيه امتثالا للشفاء وهذا ديدنها ان تتوسد الالم بوسادة الحزن لترتاح ولو قليلا فهي تحمل همها وهموم الدنيا معا تخرج حينا من انانيتها بعيدا عن جدران الموقف نحو فضاء الحرية والنجوى وتفكر بتضحية وايثار انساني بهموم غيرها لتعطي بعدا انسانيا بالمشاركة الوجدانية لما ينتاب الناس من كوارث تجلب الحزن والانكسار.... فهي تلوم الحزن المسعور ان يتسلل الى عيونها وعيون من تحب فهي تتحداه وتنذره بكل ما اوتيت من قوة وكأنها نهز عصى سخطها بوجهه الكالح بقولها – مخطى هذا الحزن-
تَمهّل فالهوى 
يُعذّبني ويُضْنيني !!
صَلبتُ أسئلتي على جسدي
والتهمتُ وميضك الوردي
ويستمر صراعها البسوسي بجبهتين الداخلية والخارجية بين آلامها وآلام الاخرين ممن تحب حتى يتحول هذا الصراع ويأخذ شكلا مجسما من العذاب الذي يفترسها ويهدم كل قلاعها المبنية من آجر النجوى لتعم الفوضى في مخيلتها وتجعلها تصرخ بصمت ويستديم هذا الصراخ طويلا حتى تتجمد الاسئلة فوق شفتيها وينتصب معها الالم فوق وميضه الوردي حين يكحل عينيها مرأى من تحب فتهدأ كل الالام وتنحسر كل الاسئلة بهدوء...وانسيابية مفرطة.....
هَل تَعي سِحرَ بياني ؟
إنَّني أَهوَاكَ يا حبيبي 
سأمضي .. لا تَسلني 
بشعُوري في ثَوان ..
تعاتب حبيبها بهدوء وهي تحترق ، تحيط النار دواخلها والبرود شفتيها وهي تلقي احلى الكلام وتنسى ما حل بها من الم و حرقة و حتى النار المشتعلة التي زاد اوارها بازدياد امواج الاشواق المتناثرة اشلاء فوق اجنحة آمالها المحلقة في دنيا العشق وهذا يبدو جليا بقولها لا يكفي ان ابوح شعوري الثقيل هذا بثواني وهنا يشرئب بعنقه برادوكس يجانس بين مدد عذاباتها الطويلة بشعورها بالالم عن اللقاء وعذابها اللذيذ المقتضب بثوان.....
سأمضي ..بِجُنوني !!
قانون الحّب لا تجبرهُ
تقتلع القّلب وتَتركهُ
لا تَقُلْ شيئاً .. يا حبيبي 
رُبَّ قُربٍ كُلُّ ما فيه تَنَائي
واخيرا تحضر الكرامة الموقف حين تثقل نفسها عليها فتثب واقفة و كأني اراها الان من بين سطورها الملتهبة .....تؤنب نفسها بجنون وتذكر معذبها بقانون الحب حين اقتلع قلبها واخذه معه ذلك الحبيب البارد اللامبالي....تخاطبه بكبرياء مغلفة باللوم والتأنيب الممزوج بالكرامة ....كرامة الانثى المراقة دوما تحت اقدام فحولة الحب وقساوته الناعمة كنعومة جلود الافاعي ان يصمت و لا يقول شيئا فكل ما يقوله لا يداوي جرحا صغيرا من جروحها المتناثرة فوق ساحات فراقه الوارفة.... فان القرب في الحب يكون احيانا بعدا قاسيا وصحراء مقفرة....
اتمني ان اكون قد وفقت في في ادراك اسوار احاسيس تلك الشاعرة الكبيرة وسبر اغوار نصها الرائع في هذا التحليل البسيط وتلك القراءة السطحية .....من الصعوبة بمكان ان ندرك اغوار الاعماق في احاسيس شاعرتنا الكبيرة الاستاذة فوزية اوزدمير