السلطات هي الأخرى لها هواجس

 

 

حدثتنا الايام ان الازمات تفرض في الكثير من عواصفها جانباً كبيراً من الرؤية والحكمة والتدبر، عندما يكون القائمون على ادارتها ذوو عزم ودراية وتصميم. لقد فاتتنا نحن اهل الشرق امور كثيرة استغرقت حقباً طال أمدها لقرون، فقدنا فيها البوصلة ولم نعد نهتدي حتى الى مشرق الشمس وزوالها. واليوم نحن في العراق جسدنا المثال الحي بعد أن تركنا للرياح العاصفة أن تعبث بنا وتقتلع كل السقوف من فوقنا وتتركنا في موقف القرفصاء حيث لا تقوى قوائمنا على حمل أجسامنا.

 

ومع كل هذا تتلاطم أفكارنا وتشتبك ونزداد تخبطاً وبعناد واصرار لا مثيل له. نحن في أزمة حقيقية فقد وصلنا الى حافة هاوية الانهيار المالي، ولم نسمع صدى لهذا الانهيار، يحذر منه أو يدعو الى التدبر في تعطيل الانزلاق له على الاقل.

 

ان ما نسمعه من تحليلات أقرب الى الخرافة، وما نراه من اجراءات هي جزء اساسي في زيادة اذى الكارثة، بعد ان لجأت السلطات الى علاج انفلاتي بفتح الباب على كل المصاريع لتحويل الأموال بعشوائية تثير الدهشة والاستغراب. وعندما تتطلع الى التفسيرات عن اسباب مثل هذه الاجراءات تجد أن الكثيرين يرددون ان السوق سيشتعل والمواطن سيتضرر بعد أن ترتفع الاسعار، أين هي السلطات المعنية في هذا؟ وهل عليها ان تنساق امام سلطة السوق؟ هذه البدعة التي دخلت علينا بهجمة جرت وراءها كل هذا الخراب والافلاس.

 

السوق حصان لا يطلق بلا لجام تمسك به السلطات لتوجهه حيث ترى وتريد. وهذا لا يقتصر على سوقنا بل يشمل كل الاسواق ليس اليوم فحسب بل على مدى الزمان. ولكن السوق العجيب عندنا وصل في تعامله مع سلطة المال والنقد الى حد الابتزاز الذي امتد لعشر سنوات.اذا كنا نشفق على المواطن من غلاء الاسعار فلا يصح أن نلجأ الى استنزاف ما تبقى من الاموال لحمايته وادامة رمقه لأيام قادمة، وتركه يواجه المصير أعزلاً. يفتقر الى أبسط أدوات المقاومة.

 

ومن أعجب ما نشاهده في يومنا هذا هو اطلاق العمل بقانون التعرفة الكمركية وايقاف العمل به وخلال أيام، فهل هناك بلد في العالم يشبهنا في هذا، علماً بأن القانون شرع منذ ما يزيد على الخمس سنوات، ولازال تنفيذه يواجه كل يوم بهياج عجيب ومن قبل مجلس محافظة ومحافظ، ينطوي هياجهما على تهديدات (فجة) لا تراعي حرمة الدولة ولا مهابتها، ولا تدرك هذه الجهات أنها بهذه التصرفات تندرج في حقل الجهل والايغال في تخريب ما تبقى لنا.

 

لعل اجراء حازم يطلق لايقاف التداعي ويساعدنا على الافـــلات من السقوط في الهاوية.