استعراض بحري واستحياء نفطي

ذكرت «الفايننشيال تايمز» أن إقليم كردستان يصدّر إلى إسرائيل عبر تركيا ما يساوي 77 في المائة من حاجتها إلى النفط. أي أن تركيا ترسل بين عام وآخر باخرة سياسية احتفالية إلى غزة، وكل يوم آلاف براميل النفط. وهذه هي الدول ولا جديد في الأمر: وجهان، أو وجه وقفا. لذلك، تقول العامة في وصف النمّامين المحتقرين والمعبئين كرهًا لجميع الناس: ليس لهم قفا، ولا تقول ليس لهم وجه. ذلك أن حرمة الغياب ليست أقل من حرمة الحضور. وامتحان الصداقة الحقيقية في الغياب، لا في الحضور.
وفي أي حال هناك فريقان يقيمان علاقة اقتصادية كبرى مع إسرائيل: كردستان وتركيا. وهناك فريق ثالث يتصرف وكأن الأمر يحدث في قارة أخرى، هو «دولة القانون»، المحلي منه، والعربي والكردي والعالمي والشيطان البري.
أحب التوقف عند نقطة واحدة من كل هذا «السيرك» السياسي، وهي دور كردستان العراق: لقد اضطهدنا الأكراد باسم العروبة طوال جميع العقود والعهود. اضطهدناهم بجميع فرقائهم وبجميع فرقائنا: في العراق بالنار، وفي سوريا برماد التجاهل البارد. لم نعرف أن هناك مئات الآلاف منهم لا يحملون هويات في سوريا إلا بعد اندلاع النزاع الأهلي.
بدل أن تكون العروبة احتضانًا لمكونات الأمة، حُولت مضطهدًا لها. أعطي بعض الأفراد مناصب وأنصبة، وحرمت الجماعات من أي مساواة أو فرص أو معاملة حسنة. هل نقول كل ذلك لكي نبرر للأكراد الخيار الإسرائيلي، سواء في النفط أو في العلاقات الاقتصادية الأخرى؟ إذ ليس سرًا أن الوجود المالي الإسرائيلي في أربيل يزداد اتساعًا وعمقًا.
الجواب البديهي بالمطلق، هو لا. إذا كان الأكراد يريدون الخروج إلى علاقة خاصة مع الغرب – كما أقاموها مع السوفيات من قبل - فهذا شأنهم، في ظل الدول المركزية أو بعيدًا عنها. لكن ليس من حقهم تجاهل مصالح رفاقهم العرب، بدل البحث عن مصالح مشتركة معهم، رغم الماضي الرديء.
ثمة شيء جديد يتشكل في المنطقة لا نعرف ما هو. لكننا نعرف أن الشكل السابق لم يعد قائمًا. وقد نشرت الأنظمة من الضغائن عبر السنين ما سوف يبقى حممًا إلى سنين طويلة. فنحن منطقة لا تجيد إلاّ حقن البراكين وإثارتها. وبعد أن يتحول كل شيء إلى رماد، نندب وننوح. ثم نفاجأ بأن تركيا ترسل سفينة الحرية مرمرة في عرض البحر، و19 مليون برميل نفط في ستة أشهر