ثقافة الجمال وتحسسها اسئلة لابد منها

لا نستغرب من فنان بثقل السويسري جياكوميني وهو نحات ومصور ورسام وطبّاع قوله (عندما اذهب الى متحف اللوفر في باريس اؤكد ان اجمل تمثال في العالم يبدو تافها بالمقارنة مع المراة العجوز التي تقف امامه) ولا عجب فان مستوى الوعي لدى هذا الفنان وصل الى مستوى وحقيقة مفادها ان الانسان هو مقياس مقاييس الجمال , فالوصول الى هذا المقدار من الوعي يشكل اعادة توازن الى هوية الانسان الانطولوجية بكونه قطب الدائرة , لذا لابد من اثارة اسئلة ارى بانها مهمة وعلى المحك تخص (الاستاطيقا ..علم الجمال) ودوره في تسكين الكثير من الانفعالات والتوترات والتشنجات التي تكتنف النفس الانسانية فالجمال منظومة كبرى تنفتح وتتسع لتشكل الحوار والثقافة والدين والاقتصاد والفكر والفلسفة, فهو يمتزج معها ومع غيرها , واعتقد ان الكثير ممن سيقرء هذه السطور سيعدها ترفا تنظيريا وانا ارى العكس , فعلم الجمال الذي يدرس طبيعة الشعور بالجمال والعناصر المكونة له اذا ما انتقل الى كل ما تراه العين فانه حتما سيحقق نقلة كبيرة على مستوى تعاطي النفوس مع السلوكيات بشكل عام وعبر الانتقال من معادلة الانفعال والعنف والتوتر والغضب الى معادلة الهدوء والتروي والابتسامة والنظر الى مبررات الاخر , وهذا ما نحتاجه اليوم وبشدة , وعليه لابد من طرح عديد هذه الاسئلة نناقشها في دواخلنا ومع اقراننا : ما الجمال ؟ هل هو علم ام سلوك ام تبيان طبيعة الشعور ؟ هل هو علم المعرفة الحسية ونظرية الفنون الجميلة ؟ هل هو فرع من فروع الفلسفة ام انه تامل الجمال كما يقول شوبنهاور ؟ ام هو كما يقول الفارابي تحقيق القيم الخيرة في الاشياء الجميلة , ام هو علم تجارب الاحساس كما يقول كانط ؟ وهل من الممكن القول ان الجمال هو كيفية التعامل مع الطبيعة والاشياء ؟ ثم لماذا تبدو بعض الاشياء جميلة وبعضها غير جميل وما المعيار في تحديد ذلك ؟ وهل ثمة خلط بين الجمال والفن ؟وهل صحيح التفريق بينهما (الاستاطيقا والفن) ؟ واذا ما ذكرنا الاضواء الاربعة : ضوء المهارة وضوء احساس التصور وضوء الفلسفة الذي يكشف الحقيقة الفكرية وضوء الحكمة الذي يحافظ على الحقيقة , فمن أي منهم يتشكل الجمال ام انه نتاج الاربعة معا ؟ واذا كانت الجماليات زاوجت بين عناصر الفن والمواضيع الطبية فبامكانها ان تتزاوج مع منظومة الوعي السلوكي وعناصر الثقافة وتفرض نفسها كنسق من الوعي الراقي ينظم لحظات الغواية وثقل الجزئيات التي تفوقت على الكليات في كثير من مفاصل اهتماماتنا اليومية ويرتقي بها لتكون سلوكا يمهد للحوار والاحتجاج الواعي والنقد البناء وبالتالي الوصول الى وحدة الجمال والاخلاق كما عرضها وتحدث عنها جون ديوي , ثم ما هي الخصائص البصرية المتعلقة بنوعية الجماليات ؟ ثم يجب ان نعرف ان قضية الجمال تختلف عن كونها اتفاق فهي متحولة متغيرة وفقا لظرفية ولادة الحالة الجمالية وزمنها وانفعالات الشخص المتحمس فهي في كثير من الاحيان مرتبطة او تحت تاثير الانفعالات وكما يقول ذلك الفيلسوف (رؤية شريط من الحساء في لحية رجل امر مقرف حتى لو لم تكن اللحية ولا الحساء مقرفا ) , ثم بماذا يرتبط الجمال , هل يرتبط بالرغبة ؟ وهل يكون حكمنا على شيء ما بانه جميل حكما موضوعيا متعلقا بوجود خصائص جمالية مميزة لهذا الشيء عن غيره ام حكمنا هذا حكم ذاتي ناتج عن شعور بتاسيس ادراكي على نحو ظاهر ؟ والى ماذا ترجع الخبرة الجمالية , هل ترجع الى النشاط النظري الذي يقوم به الذهن ام الى النشاط العلمي ام انه يعود الى الشعور باللذة كما يقول كانط , ختاما لهذه الاسئلة اقول : نحن بحاجة الى تاثيث العين بمشاهد جميلة واللسان بالفاظ جميلة والعقل بجمال التفكير والروح بجمال الحب ,والشوارع بجمال السير ونظامه , والقضاء بجمال العدل وسريانه على الجميع , والاعلام بجمال حريته وموضوعيته الباصرة لكل شيء,والدولة بجمال القيادة وعدلها وانسانيتها, فالاحساس بالجمال يتيح للانسان فرصة الانتصار على كل ازمات الحياة , وهذه لحظة التنوير من كل السطور المتقدمة .