أمام المواطن تحد صعب.. وكذلك الفاسد |
مرت أكثر من اثنتي عشرة سنة والعراق يرفل بفيض الحرية التي أمطرتها عليه سماء عام 2003 إلا أن الرعد والبرق والزوابع والأعاصير مازالت تتصدر معطيات سماء ذاك العام، إذ لم يكن الشخوص الذين تلقوا هبة السماء بخسف الأرض بهدام العراق، جديرين بصون تلك الهبة وتجييرها لصالح البلاد والعباد، بل على مابدا أنهم كانوا (يحدّون سنونهم) لفرصة ذهبية مثل هذه، وقد جاءت (للحلگ) كما يقول مثلنا؛ (عيد وجابه العباس). وبألاعيبهم وبهلوانياتهم وتلوناتهم التي برعوا فيها أيما براعة، كذلك أفانين المراوغة والتحايل والخداع التي أبدعوا فيها أيما إبداع، استثمروا فرصة استلام مقود الحكم في العراق، وتصدروا المشهد السياسي والاجتماعي والعسكري والاقتصادي، فراحوا يسخرون كل هذه المؤسسات لخدمة مصالحهم، وفتحوا جيوبهم عن آخرها لتهيئتها للآتي من المال، من دون مراعاة لحلال وحرام وعيب وعرف وذوق، ولم توقفهم نداءات المواطن المظلوم، حتى طفح به الكيل واختار التظاهر السلمي كسبيل أخير للخلاص من المآسي اليومية التي يعيشها في بلده، والتي تسبب بها سراقه المنحدرون من عام 2003..!. لقد كانت الصورة المتوقعة ان النسيج الإجتماعي وتنوع شرائحه في العراق سيستمر على نسق ونمط ثابت. كما رسمه الساسة والقادة، وفصّلوه (غسل ولبس) على مقاس المواطن، الذي بدوره مافتئ يمارس في حياته ثوابت رتيبة فهو: يطيع، يضحي، ينتخب. والنتيجة: يجوع، يُحرَم، يُسرَق ويَكظِم غيظه، وكان العمل ساريا على هذا المنوال تطبيقا لشعار البعث المقبور: "البعثي أول من يضحي وآخر من يستفيد" وحل محل البعثي مفردة المواطن. فالأديب او الشاعر على سبيل المثال، يعيش ألم وطنه وأهله وناسه ويتحسس همومهم، يسمو بحسه، وينظم قصيدة تنزف من جراح العراقيين، والنتيجة: يلقيها في محفل حضره رئيس من رؤساء المجالس الثلاث اووزير، ويفرح شاعرنا وهو يراهم يصفقون له بحرارة، ظانا ان شكواه وصلت آذانا صاغية، لكنهم في حقيقة الأمر كانوا ينفضون أيديهم ان لاشيء مما في القصيدة سيتحقق. |