المال والحرب

 

خلال معركة بريطانيا التي اخذت الطائرات الالمانية تدك لندن بالذات اضافة الى القواعد الجوية والعسكرية. كانت ادارة الحرب البريطانية بيد (ونستون تشرشل) في وزارة من خمسة أعضاء أبرزهم وزير المالية.

 

وقد قرأنا الكثير عن الطريقة التي ادار بها هذا الزعيم الحرب، والتي استخلصت الدراسات والبحوث فيها الكثير من فنون الادارة والمواجهة. التي كان من بينها ان (تشرشل) كان وخلال القصف اليومي على لندن يتجول يومياً ويزور القواعد الجوية بالذات لأهمية دورها في مواجهة الألمان.وأثناء عودته من احدى جولاته شاهد اثار غارة جوية قصفت نزلاً يبدو أنه شبه فندق بسيط، ولاحظ أن المبنى قد هدم ومحتوياته من الاثاث واللوازم قد تحطمت وتبعثر ما سلم منها. وكان صاحبا النزل الزوج والزوجة، قد جلسا على الرصيف ساهمين وحائرين يرنوان الى مستقبل مجهول. وعاد تشرشل الى سيارته وأملى على سكرتيره الذي يصحبه رسالة الى وزير المالية مفادها الأمر بتشكيل لجان تكشف آنياً على المواقع التي يقصفها العدو وتقوم بدفع قيمة الأضرار التي اصابت ممتلكات الناس فوراً. وطبعاً جن جنون وزير المالية وصار يحدث نفسه بأن تشرشل قد أصابه الجنون.

 

وفي اليوم التالي توجه الوزير الى مقر رئاسة الوزارة وبعد انتظار أبلغه سكرتير رئيس الوزراء بأنه مشغول ولا وقت لديه لمقابلته. وتكرر ذلك ليومين آخرين. وعندما سمح له بالدخول على رئيس الوزراء صرخ به الأخير، ما هذا الالحاح في المجئ يومياً تاركاً مهامك الثقيلة. واحتار الوزير وارتبك من المفاجأة ولم يجد ما يقول غير الاشارة الى الرسالة التي تسلمها ويدمدم كلاماً غير مفهوم. وعاد رئيس الوزراء ليقول له اسمع جيداً ان ما كلفت به هو عملك واختصاصك وبالنسبة لي هذه ادارة الدولة، لا تنتظر مني شئ عليك تدبير امورك.

 

هل نعجب أو نتفاجأ في نجاح أمة وفوزها في الصراع الذي تخوضه اذا ما عرفنا مثل هذه الحكايات عن ما دار خلال الايام العصيبة وفي كيفية مواجهة الازمة.فلم يكن من الصحيح ان يترك المسؤول أصحاب ذلك النزل على الرصيف، اذ لا بد أن يكون ابنهما يشارك في المعارك التي تدور رحاها على الساحات القريبة والبعيدة، من فرنسا الى سنغافورة، وسيصدم الابن اذا ما علم بما حدث لمصدر عيش اسرته، ولكن عندما يعرف ان الاسرة قد اسندتها الدولة لتواصل الحياة، فبالتأكيد سيزداد اصراره على مقاتلة أعداء بلاده وأن يدفع دمه في سبيل ذلك عن رضى وقناعة.

 

وبالقطع نحن بحاجة ماسة للسير على هذه الخطى وان نتعلم وندرك بأن الجسم لا يستطيع القيام بالنشاط والمهام الا بكامل اعضاءه، من المخ الى اصبع القدم الصغير.