تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن الكشف المذهل الذي حققه عالم المصريات الفرنسي فيكتور لوريه في شتاء عام 1898 ميلادية؛ حيث كشف عن مقبرة الملك أمنحوتب الثاني KV 35 بوادي الملوك بالأقصر؛ وبداخلها خبيئة مومياوات تضم 13 مومياء لملوك وملكات وأميرات من فراعنة الدولة الحديثة. ومقبرة أمنحوتب الثاني هي أول مقبرة ملكية يتم الكشف عنها في وادي الملوك وبداخلها مومياء صاحبها سليمة لم تمس راقدة في تابوتها الحجري منذ يوم دفنها وحتى يوم العثور عليها وذلك قبل الكشف عن مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ أمون في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1922. وفى مذكرات لوريه نجد وصفًا دقيقًا لكيفية اكتشاف خبيئة المومياوات ومقتنياتها الثرية داخل مقبرة أمنحوتب الثاني؛ لكن أهم ما سجله لوريه في مذكراته - والتي بيعت منذ سنوات لجامعة ميلان بإيطاليا - هو لحظة فتح التابوت الحجري البديع للملك أمنحوتب الثاني ومشاهدة المومياء الملكية لأول مرة منذ دفنها الكهنة في 1401 قبل الميلاد. كان أول ما لاحظه لوريه وجود إكليل من الزهور حول رقبة المومياء وعلى صدره؛ وكان هذا الإكليل هو آخر ما لامسته أيدي الكهنة المحنطين قبل وضع المومياء في التابوت وإغلاقه للأبد؛ كذلك وصف لوريه قوس الرماية للملك أمنحوتب الثاني داخل التابوت؛ ووضع القوس الخاص بالملك أمر غريب يفسره شخصية أمنحوتب الثاني المحبة للرياضة؛ ويبدو أن وضع القوس مع المومياء جاء بوصية من الملك نفسه. حاول لوريه إقناع الحكومة المصرية نقل مومياء أمنحوتب الثاني من وادي الملوك إلى القاهرة خوفًا عليها من السرقة ولكن دون جدوى! حيث كان هناك معارضة شديدة لنقل المومياوات أو عرضها بالمتاحف. وبعد سنوات من الكشف عن مقبرة أمنحوتب الثاني؛ تعرضت المقبرة للسرقة؛ حيث سرق قارب خشبي بديع وتعرضت المومياء المجهولة التي كانت مسجاة على متن القارب للتدمير؛ وسرق كذلك قوس أمنحوتب الثاني. وبعد فحص المقبرة لم يعثر بها على أي دليل يشير إلى اللصوص سوى فردة حذاء! هذا الحذاء كان يخص أحد أفراد عائلة عبد الرسول المعروفة بالاتجار بالآثار. وكان في ذلك الوقت كبير مفتشي الوادي هو هيوارد كارتر والذي استطاع إقناع الحكومة بنقل المومياء إلى القاهرة خوفًا عليها. كانت المهمة شاقة واختيار وسيلة المواصلات أمر ليس بالهين؛ وأخيرًا تم الاتفاق على حجز عربة نوم درجة أولى للملك بقطار النوم السريع الذي يربط بين القاهرة وأسوان مارًا بالأقصر. وبالفعل وصلت المومياء إلى القاهرة في 1931؛ ومعها مفتش آثار مرافق من وادي الملوك؛ والذي تعرض فيما بعد لتحقيق قاسٍ كاد أن يفقده وظيفته! حيث تم اتهامه بمخالفة اللوائح والقوانين المنظمة لبدل السفر؛ لأنه سافر على الدرجة الأولى بقطار النوم؛ بينما درجته الوظيفية لا تؤهله سوى للركوب بالدرجة الثانية العادية وليست المميزة! حاول المسكين شرح الموقف إلى المحققين لإنقاذ نفسه من العقاب؛ وأخيرًا تفتق ذهنه عن حيلة أنقذته، حيث قال للمحققين إن سفره مع المومياء الملكية كانت ضرورة لضمان راحة وسلامة الملك؛ وكان سفره بناء على رغبة ملكية خالصة من ملك مصر أمنحوتب الثاني؟ وقدم الموظف ما يثبت لهيئة التحقيق أن أمنحوتب الثاني كان ملكًا على مصر؛ وبالتالي يحق له حيًا أو ميتًا اصطحاب مرافقين معهم عند السفر؛ وتم إغلاق ملف القضية دون توجيه أي لوم إلى الموظف المسكين.
|