اليازجي وألغاز اللغة

فن المقامة من أصناف الأدب التي تميز بها الأدب العربي على آداب الأمم الأخرى، ويعود فيه الفضل لبديع الزمان الهمذاني والحريري. وقد أبدع الشيخ ناصيف اليازجي في إحياء هذا الفن. كان منها المقامة الكوفية التي طرحت ألغازًا لغوية تفسر لنا لماذا انهار الحكم العربي بتلك السهولة واستولى عليه الأعاجم وعلماؤنا مشغولون بهذه الفذلكات. أورد منها هذه العينات التي تعطينا فكرة جيدة عما نضيع فيه وقتنا ونخدر ملكاتنا الفكرية:
يطرح ميمون بن خزام، بطل هذه المقامة، هذه المسألة: ما الفرق بين التمييز والحال؟
وجوابه أنهما يشتركان في كونهما اسمين نكرتين فضلتين منصوبتين رافعتين للإبهام. ولكنهما يفترقان في سبعة أمور. ويمضي فيسأل: وما الذي يفرق بين عطف البيان والإبدال؟ ويجيب: عطف البيان يفترق عن البدل بأنه لا يكون ضميرًا ولا تابعًا لضمير، ولا جملة ولا تابعًا لجملة، ولا فعلاً ولا تابعًا لفعل، ولا بلفظ متبوعه، ولا مخالفًا في التعريف والتنكير، ولا في نية إحلاله محله، ولا من جملة أخرى في التقدير. وكله بخلاف البدل في جميع ذلك.
ويسأل وأين يستوفى حق الإسناد، ولا يخرج بركنيه عن حكم الإفراد؟ يقول: الإفراد في اسم الفاعل ونحوه يشمل المسند والمسند إليه. وهو الضمير المستتر فيه، ولا يكون جملة بل يبقى على إفراده.
ويقول، وأي الضمير يتردد بين التعريف والتنكير؟ وجوابه هو أنه ضمير الغائب، فإنه إذا عاد على معرفة كان معرفة نحو جاء زيد فأكرمته. وإذا عاد على نكرة كان نكرة نحو رب رجل لقيته.
ويسأل: وأين يراعى ما يقدر ولا يبالى بما يذكر؟ ويجيب: يكون ذلك في نحو يا سيبويه الكريم. فإن الكسرة الظاهرة في آخر سيبويه لا يعتد بها.
ويمضي ميمون بن خزام فيسأل، وفي أي اسم تجتمع فيه خمسة من موانع الصرف؟ والجواب هو أذربيجان. ففيه العلمية، والتأنيث، والعجمة، والتركيب، وزيادة الألف والنون!
أما في أي لفظ يشارك فيه الاسم والفعل والحرف؟ وجوابه أنه اسم الفعل ففيه يشارك الاسم في التنوين والفعل في المعنى والحرف في البناء.
ويقول: وفي أي الأماكن يجتمع ثلاثة من السواكن؟ وجواب هذا اللغز هو أنه يكون ذلك في نحو «مواد» إذا وقعت في الوقف فإن حرفي الألف والدال المدغمة والدال المدغم فيها سواكن!
وأي فعل يعطى ما للأسماء ويمنع مما للأفعال؟ وجوابه هو أفعل التعجب فإنه يصغر كالأسماء ولا يتصرف كالأفعال.
ويواصل الشيخ كلامه فيسأل: وأي اسم يجري مع قبيلته على هذا المنوال؟ والجواب هو أفعل التفضيل فإنه يمنع من الكسر والتنوين كالأفعال، ولا يثنى ولا يجمع كالأسماء.