الجدل حول الحرب على العراق مستمر

 

من يتتبع ما كتب عن ذكرى الحرب على العراق يمكنه تصنيف المقالات الى ثلاثة أنواع: الاول و الثاني اتبع مقولة حب وحجي و اكره و حجي فالذين يحبون البعث صوروا امريكا كشيطان و الذين يحبون امريكا صوروها كملاك. النوع الثالث هو قلة قليلة مما كتب اتبع مقولة اكعد اعوج و احجي عدل اي اتسم بالحياد موضّحا الربح و الخسارة للعراقيين. المدافعون عن حكم البعث لم يتطرقوا الى شيء ايجابي لأنهم من الخاسرين و المدافعون عن امريكا لم يتطرقوا الى شيء سلبي لأنهم عاشقون و القرد في عين العاشق غزال.  كتّاب اكعد اعوج واحجي عدل رحبوا بإزاحة حكم البعث الذي صنعته امريكا و لكنهم اعترضوا على كيفية ازاحته و ليس على ازاحته كما يدعي عشاق امريكا. الذين عاشوا الحرب منهم وما صاحبها من خراب و دمار و خسائر بشرية هائلة يعتقدون و هم على حق ان اسلحة اليورانيوم المنضب و ما خلفته من سرطانات استعمل لتجربته و ليس للحاجة اليه. كذلك القصف المكثف بصواريخ شاملة الدمار على مناطق سكنية ليس له ضرورة لان جيش صدام كان قديم التسليح و معظم افراده يريدون انتهاز الفرص لتركه كما حدث في الانتفاضة الشعبانية. اما ذوو الرتب العالية في الجيش و شيوخ عشائر المنطقة الغربية فقد اشترت امريكا ذمم معظمهم مقدما و احتاج الجيش الامريكي مدة ثلاثة ايام فقط ليصل من شمال العراق الى الفلوجة بسبب ذلك.  الذين عاشوا العشر سنوات التي تلت الحرب و تتبّعوا مجريات الامور اقتنعوا و هم على حق ان الدور الامريكي كان بجانب الفوضى السياسية و ليس بجانب الديمقراطية الصحيحة. بول بريمر تصرف و كان العراق ملك له و ارسى جذور الفساد المالى و الاداري و لم يستمع الى نصائح بعض العراقيين المخلصين. زلماي خليل زادة سفير أمريكا في العراق احتضن الطرف السني لأنه من طالبان و عمق الطائفية التي ازدادت يوما بعد يوم. من جاؤوا بعد بريمر و زلماى ساروا على نفس النهج البعيد عن الديمقراطية التي بشروا بها و اعتمدوا مفاهيم المحاصة و المشاركة و التوازن بعيدا عن النزاهة و الكفاءة لإعادة بناء العراق.  مبدأ مشاركة كل الاحزاب السياسية في الحكم (حكومة ائتلافية) اثبت فشله في فرنسا و ايطاليا بعد الحرب العالمية الثانية و فشله واضح في لبنان منذ تأسيسه فلماذا اصرت امريكا عليه. اذا كان هذا المبدأ صحيح أين سكان امريكا الاصليين و الاقليات القومية و الدينية في الادارات الامريكية منذ نشوئها. اذا كان ائتلاف الاحزاب السياسية فاشلا فالائتلاف القومي و الديني و المذهبي افشل منه.  يمنّ علينا عشاق امريكا بان العراق الان هو بلد الحريات غافلين او متغافلين ان الحريات هي وسيلة لتحقيق اهداف و ليس غاية بحد ذاتها. انها وسيلة يستعملها المواطن لتحقق له العيش الآمن و الكريم من خلال الخدمات مثل الماء و الكهرباء و الرعاية الصحية و الاجتماعية و التعليم. بدون تحقيق هذه الاهداف تصبح الحريات تهريج و اعلام تافه و تظاهرات مغرضة.  بعض عشاق امريكا يلقون باللوم على السياسيين غافلين او متغافلين انهم عملاؤها إلا ما اندر يحركهم السفير الامريكي حيث و كيف يشاء. امريكا زورت الانتخابات لتحول دون وصول اكثرية برلمانية للحكم لأن ذلك يقلل من هيمنتها. في ايّ بلد اخر غير العراق تنقل صناديق الاقتراع الى اماكن مجهولة و تستبدل بغيرها و تجيّر الاصوات و يستغرق فرزها اسابيع بدلا من ساعات او أيام؟ لماذا لم يؤخذ بالترشيح الفردي و الدوائر الانتخابية المتعددة بنسبة مرشح لكل 100 الف ناخب بدلا من القوائم المغلقة او المفتوحة؟ هذه البدعة الانتخابية جعلت من المستحيل انتخاب نواب يتحلّون بالنزاهة و الكفاءة.  العجيب عند عشاق امريكا انهم يبررون حتى اخطاءها التي اعترف بها عسكريوها وسياسيوها و خبراؤها و إستراتيجيوها مع ان بعضا من هذا الاعترافات هو لذر الرماد في العيون. ما يثبت زيف الاعتراف هو تكرار (الاخطاء) الامنية و السياسية و بنفس الاسلوب لمدة عشر سنوات. المحاصة (خطأ) و لا زالت امريكا تؤيدها و الارهاب الوهابي (خطأ) و لا زالت امريكا تحتضن حاضناته في الخليج و خاصة في السعودية و قطر و ما يحدث في سوريا مثل اخر لما حدث في العراق.  ان تكرار (الاخطاء) في افغانستان و في العراق و في شمال افريقيا و سوريا هو غباء و جهل سياسي سببه اعتماد امريكا على القوة لتنفيذ اهدافها مما جعلها تتصرف بغرور و جهل غير مكترثة بالنتائج مادام الهدف قد تحقق. امريكا تعتقد خطأ انها يمكنها التحكم بكل شيء و التوسل بطالبان للتفاوض معهم دليل على خطأ هذا الاعتقاد.  وصف الامريكان بالغباء و الجهل السياسي و غياب النظرة الواقعية البعيدة سيغضب عشاق امريكا لاعتقادهم عدم امكانية حصول ذلك مع وجود أللآلاف من المراكز البحثية و سيغضب اعداءها لأنهم يعتقدون انها تتعمد خلق الازمات و الحروب. الارجح هو ان تخبّط امريكا مزيج من الغباء و الجهل السياسي مع التعمّد لخلق الازمات و الحروب استعراضا للقوة بدفع من المراكز الضاغطة السياسية والاقتصادية و هي كثيرة.