طحالب المنطقة الخضراء
 
ليس هذا خطاباً عابراً موجهاً للجزائري (الأخضر الإبراهيمي)، ولا رداً على المعلق الرياضي الغائب (الأخضر بريش)، ولا رسالة لضفادع النينجا المعروفة برداءها الأخضر، بل عتاباً صريحاً موجهاً لطحالب المنطقة الخضراء وأوراقها المتساقطة، وبخاصة إلى أولئك الذين تيبست جذوعهم وتقوست أغصانهم، فتخصصوا بإطلاق تصريحاتهم الاستفزازية ضد الجموع الشعبية الرافضة للفساد، وضد الأصوات المعترضة على الممارسات الخاطئة التي امتهنتها الشخصيات الكارتونية، فقد تكررت تصريحاتهم المسيئة للمواطنين، حتى اقتربت من تصريحات (ماري انطوانيت)، تلك الأميرة الفرنسية المتعجرفة، التي وقفت في شرفتها وبراءة الملكات في عينيها، عندما شاهدت ثورة الجموع الفقيرة الزاحفة نحو قصر فرساي بسبب ارتفاع أسعار الخبز، فقالت لهم: (لماذا لا تأكلون جاتوه ؟)، والجاتوه هو الكيك في لهجة الطبقات المترفة.
وجه الشبه بين جاتوه انطوانيت وصفاقة أصحاب الوجوه الخضر، أن كلاهما يتصرف بتعال وتبطر وجحود، ومن دون أدراك لحجم الأزمات التي يمر بها العراق. وإلا بماذا تفسرون اتهاماتهم الباطلة، التي اطلقوها على ألمانيا التي مدت جسور المودة لاستقبال العراقيين الباحثين عن الأمن والأمان بعدما واجهوا الكوارث والنكبات المتوالية.
قال أحد أبناء الخضراء: أن الأفواج البشرية الهائلة، التي غادرت العراق، غادرته من دون تصريح رسمي بالهجرة، بينما قال آخر: أن أوربا تآمرت على العراق لاستقطاب أصحاب الكفاءات العلمية والمواهب المهنية، وأنها (أي أوربا) وجدت ضالتها في العراقيين لتشغيل معاملها المعطلة، وزراعة حقولها المتروكة. وقال آخر: (سأضع جميع المتظاهرين تحت قدمي)، وما إلى ذلك من العبارات والألفاظ المستهجنة وغير اللائقة.
كم تمنيت أن يخرج رئيس الحكومة العراقية ليلجم الأبواق المزعجة، ويتحدث بصراحة مثلما تحدث الرئيس المصري (السيسي)، الذي وجّه إنذاراً شديد اللهجة لعدد من النواب والوزراء، حذرهم فيه من تكرار استفزاز الشعب بتصريحات غير مسؤولة.
قال لهم: (لا تستفزوا مشاعر الناس، وحاولوا التخفيف عن كاهلهم، لأنهم تحمّلوا الكثير، وحان الوقت ليقطفوا ثمار صبرهم)، وقال أيضاً: (لا تخرجوا بتصريحات تجعل المتربصين بالبلد يستغلونها في النَّيل من المجتمع المصري وإشاعة حالة الإحباط بين المواطنين).
يحق لنا أن ننتقد الأداء السياسي غير الناضج، فالسياسي الحكيم هو الإنسان الذي يحترم مشاعر شعبه، ويواكب المتغيرات، ويتعامل مع الأحداث بوضوح وشفافية. ويحرص أن يكون قريباً من الناس، وبخاصة الأجيال الصاعدة باعتبارهم يمثلون الشريحة الأوسع، ويمثلون المستقبل الواعد. وبخلاف ذلك فأن التصريحات المتشنجة لن تصب في مصلحة السياسي المتهور، ولن تنفع المتكبر ولا المتبطر. وربما سيجد نفسه خارج حلبة السيرك السياسي بضربة قاضية تسددها له الجموع الغاضبة. ولات حين مندم.