الدرس الالماني

 

 

 

المانيا لفتت انظار العالم اليها عدة مرات في القرن الماضي، فبعد هزيمتها في الحرب العالمية الاولى وخسارتها لمركزها السياسي في اوربا نجحت سريعا في التعافي مجددا، لكنها سرعات ما تلاشت احلامها بعد الهزيمة القاسية في الحرب العالمية الثانية.


تحطمت المانيا ووصل شعبها لحالة من الياس والاحباط التام بسبب الحرب التي سوت المدن بالأرض.
لكنها لم تستسلم بل استطاعت ان تلفت انظار العالم اليها مجددا بفضل مشروع مارشال هو مشروع اقتصادي وضعه الجنرال جورج مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
بالإضافة الى تلك المساعدات الامريكية، كان العامل البشري هو العامل الحاسم وبدونه ما كان هناك نهضة.
فقد أظهر الألمان في ألمانيا الغربية رغم انكسارهم في الحرب و وجودهم تحت احتلال فعلي رغبة و إصراراً كبيرين على العمل الشاق وفقاً لنظام والتزام صارم، و سرعان ما استعادت ألمانيا الغربية الكثير من قوتها العاملة المؤهلة من خلال اﻷسرى العائدين لبلادهم، فضلاً عن علماء ألمانيا و مهندسيها و أساتذة الجامعات فيها و خيرة أبنائها الهاربين من النظام النازي الذين قرروا العودة إلى بلادهم من جديد للمساهمة في عملية إعادة البناء.


ويشير المؤرخون الألمان إلى روح التضحية و العمل الجماعي التي تميز بها الألمان في هذه المرحلة. فقد تراجعت التوترات الاجتماعية بين اللاجئين من أصول ألمانية و بين الألمان أنفسهم و انخرط الجميع في بناء الدولة الجديدة، كما ساهمت النقابات في ذلك بعدم المبالغة في مطالبها لزيادة الرواتب و تراجعت المطالب الفئوية أمام تحدي بناء ألمانيا الجديدة.


لقد تمكن الألمان الغربيون خلال خمس سنوات فقط من العمل الدؤوب و الشاق من التغلب على تحديات جمة و وضعوا بلادهم المدمرة على طريق الإنطلاق الاقتصادي.


و بفضل المعجزة الإقتصادية تحول المجتمع الألماني إلى مجتمع حديث منتج خدمي إستهلاكي، نمت معه الطبقة الوسطى و ارتفع فيه مستوى الطبقات الدنيا من فلاحين و مهنيين، و تآكلت فيه الحدود الصارمة بينهما كما تضاءلت الفروقات بين المدينة والقرية، و تكون أساس إجتماعي متين يسمح بالتعددية السياسية و إقامة نظام ديمقراطي على أسس سليمة، على عكس ما كان يتبناه بعض سياسيي ألمانيا في مرحلة بعد الحرب من ضرورة فرض سياسة اقتصادية مركزية لإنقاذ البلاد.


وفقا لهذا النظام الناجح فإن كل ألماني هو عنصر فاعل في المجتمع، مسؤول عن نفسه و تجاه الآخرين و تتدخل الدولة لمساعدته فقط حين يعجز هو عن مساعدة نفسه.


وبعد إعادة توحيد شطري المانيا عام 1990 تمكن اقتصاد ألمانيا الغربية القوي من إعادة بناء دولة بكاملها في الشطر الشرقي، و كشف ألمان الشرق عن معدنهم الحقيقي و انخرطوا في العمل للحاق بركب التطور الاقتصادي و الصناعي في الشطر الغربي.


بفضل كل الجهود السابقة استطاعت المانيا ان تحقق طفرة على كل المستويات حيث تعد اليوم :
اكبر اقتصاد في الاتحاد الاوربي.


رابع اقتصاد على مستوى العالم.


ثالث دولة مصدرة في العالم بعد الصين والولايات المتحدة الامريكية.


من الدول الرائدة في مجال البحوث والكتب حيث ينشر في المانيا 94 الف كتاب وبحث سنويا.


فضلا عن احتلالها المرتبة السابعة في قائمة الدول النشطة سياحياً على مستوى العالم.


هذا ما استطاعت المانيا ان تفعله بسنين قليلة بعزيمة واصرار الجميع.


لذا استحقت ان تسمى بــ (الامة الالمانية) بكل جدارة.


لست اذكر ما حدث لألمانيا للتسلية او المرح، بل اكتب لنتعلم من تجربتهم بعض الدروس لنطبقها ليتها تنفعنا.