إكتوبر.. الإنسان والعبور

 

تحل ذكرى حرب السادس من اكتوبر المجيدة اليوم ، والعرب  في حالة تراجع  مريع وانحدار كبير ، يفرض عليهم أن يعتبروا به  ، ويستلهموا روحه ، ويتعلموا من  دروسه  ….

 

 وقد يبدو  أكتوبر في نظر البعض اليوم حالة غريبة في  زمن الانكسارات  ، لكن ينبغي أن  نضع في الحسبان أن إكتوبر نفسه ولد من رحم  الانكسار والهزيمة ..

 

لقد بدأت عملية الاعداد لاستعادة الارض بعد هزيمة حزيران  مباشرة ، لكي لا يتسلل اليأس الى النفوس والغرور الى العدو.. وتقوم على مبدأ (  بناء الانسان والارتقاء بمستوى الفرد المقاتل ) من خلال تجنيد العناصر المتعلمة والمثقفة ، وليس الأمية .. .

 

وبهذه الخطوة (إرتفعت نسبة تجنيد الخريجين  الى 79 بالمئة بعد ان كانت  3 بالمئة )  كما يقول  الفريق اول محمد فوزي  الذي فاتحه الرئيس عبد الناصر  يوم 11  حزيران  عام 1967 ، فيما لوكان لديه الاستعداد ليتسلم  قيادة القوات المسلحة المصرية ، وكان رده الموافقة  بلا تردد ..

 

وبذلك تحول الجندي المصري  بعد هزيمة حزيران الى ( مقاتل متعلم ومثقف ، ويدرك قيمة مهمته  الوطنية  ،  ودوره في إسترداد الارض واستعادة كرامة الوطن والامة ، وليس لأداء واجب وظيفي روتيني فقط ) ..

 

وما كان  للعبور في إكتوبر أن يتحقق إ لولا الإرتقاء  بالانسان – العسكري والمدني  – الى مستوى يؤهله لهذه المهمة الكبيرة ، وتحطيم خط بارليف وإسطورته  ..

 

ومن باب إنصاف الذات ، وحقها المشروع ، خشية أن يسحقها الإحباط ، أو ينال منها اليأس وجدت نفسي مدفوعا الى الكتابة عن نصر اكتوبر العظيم ،  (للعبرة ) والتعلم من دروسه  خاصة للاجيال الجديدة ..

 

ومن الواجب أن ندعو الى التمسك بالذكرى وتُعطى قيمتها الحقيقية والمعنوية في الاحتفال  والاستذكار  من خلال الدراسات والبحوث والندوات على مستوى الامة ، علها تداري حالة ألانكسار النفسي ومعاناتها ، وتقلل طعم العلقم المر الذي ذاقته الاجيال الحديثة ..

 

 فهي في حيرة فلا تدري  .. هل تحتفل بإسترجاع مدن أحتلت ،  ورد الاعتبار لكرامة أمة  أهينت ، والثأر للضحايا والتضحيات بنصر كبير غير مجرى التاريخ  ،  أم ترثي حالها  اليوم ، وتبكي على مدن  ضاعت بأرضها وما عليها  ، وإنسانها وكيف أصبح لاجئا ، يتشرد في الاصقاع ، ويذوق مرارة المعاناة  والاحتلال والحرمان والموت خنقا في ( صهاريج ) السيارات هربا ، او غرقا في البحار والمحيطات ..

 

ومن باب إنصاف الذات أيضا ، أن نحتفي بالذكرى ، و نحتفل بقدرة الإنسان  العربي يومذاك على قهر المستحيل ، وتحطيم  ( إكذوبة )  أراد العدو أن يزرعها في الاذهان جيلا بعد جيل ، بان جيشه لا يقهر  ..

 

في إكتوبر .. كان هناك مستحيلان :

 

{ عندما تصورت  اسرائيل أن  ما بنته واعدته من  استحكامات  وتحصينات ومنها خط بارليف  يرتقي الى مرتبة ( الاعجاز)  ، و أنه من المستحيل على الجيش المصري  بعد  هزيمة حزيرأن  أن يفكر باقتحامها اوتحقيق النصر في اي معركة لاحقة… وكأنهم ارادوا ان يخلقوا حالة احباط ويأس لدى الانسان العربي وعليه ان يخضع لما يريدون ، ويتعامل مع الهزيمة كحالة أبدية ..

 

{ يقابل ذلك  الانسان العربي  والمصري  وهو  لا يعترف بشيء أسمه مستحيل أمام ارادته  التي لا تقف عند حد ود  الا ما يريده  الله  سبحانه وتعالى ..أو بمعنى أخر .. ارادوا الانتصار اولا على الانسان ومعنوياته ، وهذا ما لم يتحقق لهم .. فكان معجزة عربية ..

 

وانتصر المستحيل العربي ..

 

وكان جوهر  النصر في  اكتوبر هو افشال ( مخطط العدو)  وأساسه  (الحرب على الانسان ) ، لكن هذا الانسان انتصر على هذا المخطط الشرير، معتمدا على امكاناته الذاتية في استعادة أرضه وكرامته ..

 

– وبعبور قناة السويس عبرت الأمة  كلها الى حالة  من الأمل والتفاؤل بعد حالة من الياس والاحباط  ولدتها الهزيمة ..

 

 وبذلك  أثبت نصر اكتوبر المجيد أن  بامكان الانسان العربي أن يقهر الهزيمة ، ويستعيد الارض ، ويعوض كل شيء دمرته الحرب عندما لا يتسرب الانكسار الى نفسه ،  والوهن الى إرادته ، وتكون ثقته عالية بإمته في أن تستخدم  كل مصادر قوتها لدعمه في معركته ، وتطهير الارض من أقدام الغزاة .

 

والامة هي نفسها ، والانسان هو الانسان ، وإن تغير الزمان.

 

           {{{{{

 

كلام مفيد :

 

أنت أعمى  وأنا أصم أبكم ، اذن ضع يدك بيدي فيدرك أحدنا الاخر … ( جبران خليل جبران )