نقد التجربة الديمقراطية في العراق - 8 -

حقوق الإنسان والغياب المزدوج 
كذلك الحال مع حقوق الإنسان في العراق لم تضف " التجربة الديمقراطية " العرق طائفية أية ملامح إنسانية لهذه الحقوق ، وفي مختلف المجالات من ابسطها تلك المرتبطة بحق السكن والعيش والعمل وتحقيق الذات ، وانتهاء بما يحيط المواطنين من قوانين وبيئة وأعراف اجتماعية ومؤسسات خدمية وصحية وأمنية .. الخ ، فكل هذه الحقوق تفتقد إلى وجودها العملي الواقعي لدى المواطنين العراقيين ، وذلك بسبب انعدام وجود الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة ، حيث علمتنا هذه التجربة ضمن قيادتها وتخطيطها اليومي والمستقبلي ، أنها تجربة طارئة وغير مهنية ، بالرغم الإمكانيات المادية المتاحة لها ، ومع ذلك مازالت القوانين لا تراعي الإمكانية في التطبيق والعدالة والمحاسبة والمراقبة والتخطيط للمستقبل . 
إن خارطة السكن والعيش والعمل تنتمي إلى الحدود والأماكن البدائية ، المتخلفة عن ركب الحداثة والحضارة ، حيث لم نشاهد مدن عصرية راسخة في الأرض ، يقبل عليها المواطنون من مختلف طبقاتهم ، ولم تولد لدينا أية مؤسسات او مصانع عمل وعلم من خلالها يستطيع الفرد إيجاد ذاته ومن ثم تنميتها وتطويرها ، كذلك الحال مع البيئة انقسمت في ملوثاتها من بيئة معنوية إلى بيئة مادية ، الأولى عشائرية وطائفية وعنفيه والثانية انقسمت بإشكالها أيضا إلى مائية وهوائية والكترونية وصحية ودوائية .. الخ ، ولان هذه التجربة يحكمها كما أسلفنا سابقا جميع العناصر الفاقدة للأهلية العلمية التخصصية ، فضلا عن وجود دور المحركات الخارجية في إطالة واستمرار وجودها وفسادها ، لذلك تغدو مسالة تحقيق تجاوز لهذه الفقدانات للحقوق والملوثات المتواصلة لحياة المواطنين ووجودهم أمر في غاية الصعوبة ، حيث أعطت الكثير من النتائج السلبية التي يعانيها العراق ومنها الحرب الطائفية والهجرة والنزوح ووجود الإرهاب بمختلف أشكاله وأدواره المادية والمعنوية . 
إن حقوق الإنسان في العراق غائبة عن الوعي الاحتجاجي ألمطلبي لدى المواطنين ، حيث بالرغم من : -
1- استمرارية الفقدان وانعدام الوجود لهذه الحقوق 
2- كثرة منظمات المجتمع المدني الموجودة في العراق 
3- وجود وزارة تعنى بحقوق الإنسان 
4- فضلا عن كثرة الأحزاب والتشكلات السياسية 
لم تنمو ضمن حدود النسبي الاكثري أية مظاهر حقيقية للرفض والاحتجاج ، حيث ظلت هذه الحقوق غير معرفة إلى الجماهير ، وذلك لأسباب تتعلق ب 
1- وجود الفراغ الاجتماعي لثقافة الاحتجاج والرفض لمجمل الأوضاع غير الإنسانية التي يعيشها المجتمع العراقي ، وذلك الفراغ ناتج عن مجموعة عوامل ثقافية واجتماعية وسياسية موروثة من الأزمنة الدكتاتورية ، وصولا إلى الأزمنة الطائفية ، تلك التي تواصل الفراغ فيها أكثر فأكثر ، حيث الانتقال من ثقافة الخوف والخنوع إلى ثقافة مزدوجة بل متعددة الرؤوس تشمل الخوف من الماضي والحاضر والمستقبل ، الأمر الذي جعل الخضوع والاستكانة أشبه بالمرض المزمن لدى المجتمع العراقي . 
2- وجود التعبئة الطائفية والدينية ، تلك التي تجعل الحقوق الإنسانية بمثابة الثانوي أو المهمل ضمن أولويات المواطنين ، حيث تعمل هذه التعبئة على إلغاء أو إسكات الضمير الداخلي لدى المواطنين ، لحجج سياسية طائفية ودينية ، بتم بثها من خلال الإعلام بجميع أشكاله المرئية والمسموعة والمكتوبة . 
3- وجود أكثر الأحزاب السياسية داخل السلطة من حيث المشاركة والاستحواذ على هذه الغنيمة أو تلك من الوزارات الخدمية والإنتاجية ، وخصوصا من الأحزاب الإسلامية بشقيها الطائفي الشيعي والسني ، فضلا عن القومي منها العربي والكردي . 
4- انعدام وجود المعارضة التي تشتغل على وعي المفقودات اليومية من حاجات ومشاكل الجماهير ، وما موجود يتمثل في الإعلام الذي تدعمه هذه الجهة أو تلك ، وبالتالي تكون حدود التوعية والمطالبة بالحقوق في غاية الادلجة والانتماء إلى الأجهزة الطائفية والقومية على حد سواء .