أقوال معسولة وأفعال مثلومة

عرّف الحكماء الكذب بأنه مخالفة الكلام للواقع، ولعّلهم جـــــاروا في هذا التعّريف على الحقيقة، ولو شاءوا لأضافوا إلى كذبَ الأقوال كذبَ الأفعال، لا فرق بين كذب الأقوال وكذب الأفعال في تضليل العقول والعبث بالأهواء، وخذلان الحقّ وأستعلاء الباطل عليه، ولا فرق بين أن يكــــذب الرجل فيقول: إني ثقةٌ أمين لا أخـــون ولا أغدر فأقرضني مالاً أردّه إليك، ثم لا يؤديه بعد ذلك، وبين أن يأتيك (بسبحةٍ) يهمهم بها فتنطق سبحته بما سكت عنه (لســانه) من دعوى الأمانة والوفاء، فيخدعك في الثانية كما خـــدعك في الأولى، لا بل يستطيع (كاذب الأفعال) أن يخدعك ألف مرّةٍ قبل أن يخدعك (كاذب الأقوال) مرَّة واحدةً لأنه بقول الزوّر بلسانه حتى يقيم على قضيَّة بيَّنة كاذبةً من جميع حركاته وســكناته، ليس الكذب شيئاً (يستهان) به، فهو رأس الشرور ورذيلة الرذائل فكأنه أصلٌ والرذائل فروع له، بل هو الرذائل نفُسها، وإنما يأتي في أشكالٍ مختلفةٍ وتمثلّ في صور متنوعة.. المنافق كاذب لأن لسانهِ ينطق بغير ما في قلبه، والمتكبّر كـــــاذب لأنه يدّعي لنفسه منزلةً غير منزلته، والفاسق كاذب لأنه في دعــــــــوى الإيمان ونقض ما عاهد الله عليه، والنَّمّام كـــــــــاذب لأنه لم يتَّــق الله في فتنة، فيتحـــرى الصدق نميمته، والمتملّق كـــاذب لأن ظاهره ينفعك وباطنه يلدغك، لقد هان على الناس أمرُ الكذب حتى إنك لتجد الرجل الصادق فتعرض على الناس أمره وتُطرفهم بحديثه كأنك تعرض (عجائب) المخلوقات وتتحدّث بخــوارق العادات… فـــويل للصادق من حياة نكدة لا يجد فيها حقيقة مستقيمة، وويل من صديق يخون العهد، ورفيق يُكذب الــــودَ، ومستشارٍ غيرَ أمين، وجاهل يفشي السَّر، وعالم يحرّف الكلمَ، عــــن مواضعه، وشيخ يدّعي (الولاية) كذباً ويفتي زوراً، وتاجرٌ يغشّ في سلعته ويحنـث في إيمانه، وصحفيَّ يتجرَّ بعقـــــــــول الأحـــرار، كما يتجرَّ النخّاس بالعبيد والإماء  ويكـــــــذب على نفسه وعلى الله وعلى الناس صباحٍ ومساء..! وساسة صعدوا على أكتاف الناس ليجلسوا على كراسـي السلطة، ما زال (ناخبيهـــــــم) يجلسون على الأرض بعد أن تنصلت الأحزاب والمكونات المتنفذة عن الوعود التي قطعـــــوها على أنفسهم قبل وبعد الانتخابات تدخــــــــل هذه (الظاهرة) في حقل كذب (الأقوال والأفعال) ومن أخطرها في عراق اليوم..!