سمات الجامعة المثالية



ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد – مدير العلاقات الثقافية – جامعة البصرة:hashim_lazim@yahoo.com 
بقلم: ديفيد ستالي* David Staley

لن يكون حال الجامعة المثالية Ideal University في المستقبل مثل حالها اليوم فسوف تكون مصدرا تربويا ثرا لاينقطع عنه الخريجون بعد مغادرتهم رحاب الجامعة ، ولن تركز هذه الجامعة على توفير تعليم يحصل مرة واحدة في حياة المرء. فهي بدلا من ذلك تسعى لخلق ثقافة قوامها التعلم المستمر مدى الحياة حيث تستقطب خريجيها بين فترة وأخرى لمواصلة مسيرة العلم. وفي عالم اليوم يمر التعليم العالي في حالة تغير مستمر كما أن الصناعة تتغير بشكل مضطرد والأعراف الأجتماعية تتكيف مع التحولات الجديدة والقاعدة الطلابية تتحول أيضا ومواردنا في حالة تضاؤل فيما تتعاظم تطلعات رعاة المعرفة.
تتميز جامعة المستقبل المثالية بالصفات الخمس الآتية:

1. المزاوجة بين التقنيات الحديثة والتعليم المستمر
سوف تتجه الجامعة المثالية الى أستخدام أدوات تعليم معدلة ليتاح للطلبة فرصة التعلم بالطريقة المناسبة. ولن يجلس الطلبة في قاعات دراسية كبيرة لفترات زمنية محددة وفي أوقات معينة من السنة أنما سوف يتعاطون مع المنهاج الدراسي وفق أختيارهم. تجدر الأشارة أن مثل أولئك (المتعلمين المستقلين) لن يجدوا أنفسهم منعزلين أو بمنأى عن الآخرين فهم سوف يجدون أنفسهم في مجاميع دراسية وسوف تكون تجمعاتهم من تنظيمهم هم أنفسهم حيث تدور أهتماماتهم حول قضايا مشتركة بالتنسيق والتعاون مع أعضاء هيئة التدريس. ونشدد هنا أن التكنولوجيا لن تلغي دور الأساتذة الماهرين الذين يعلمون الطلبة في جلسات منفردة بهدف تعزيز ماتم تدريسه سابقا بأستخدام أدوات التعليم المعدلة. وهكذا نجد أن كلا من الأساتذة والطلبة والتكنولوجيا يعملون بتناغم من أجل خلق تجربة تربوية مكيفة وفق الحاجة.
2. الجامعة المنتجة
تقدمت الجامعة البحثية Research University ، التي تأسست في هذه البلاد في نهاية القرن التاسع عشر ، على كلية الدراسات الأولية التي سبقتها والتي كانت تهدف في الأساس الى الحفاظ على المعرفة ونشرها بين أوساط الطلبة أما الجامعة البحثية فأنصب هدفها على أكتشاف المعرفة. وأستندت الجامعة البحثية على نموذج جديد هو الجامعة التوليدية Generative University أو المبدعة. وأذا كان البحث العلمي يهدف الى أكتشاف الأشياء الموجودة سلفا فأن الجامعة التوليدية تسعى الى أستحداث أمور ليست موجودة في السابق فهي تبلور شيئا جديدا وتبتكر وتستحدث. ويكون حصول الطلبة على الدرجة العلمية مشروطا بتقديم عمل أبداعي بمعنى كتابة رواية أو قصيدة شعرية أو وضع خطة عمل أو صنع جهاز ما. كما أن تقييم أعضاء هيئة التدريس وترقيتهم لايقتصر على تميزهم في مجالي التدريس والبحث العلمي فحسب أنما يمتد ليشمل أبتكاراتهم أو أفكارهم الجديدة التي يمكن أن تأخذ شكل فكرة مبتكرة أو منتوج جديد أو عمل فني متميز أو نهج جديد أو السعي لتسليط الضوء على مسألة تهم الرأي العام أو معالجة مشكلة ما أو مشروع تجاري جديد. بأختصار ، الجامعة المثالية عبارة عن (جامعة توليدية) قاعدتها كلية أو جامعة بحثية.
3. أختصاصان أكاديميان لسائر الطلبة
تعمد الجامعة المثالية الى أستبعاد المنهاج الدراسي العام وأستبداله بنظام يتعين على كل طالب بموجبه أن يختار أختصاصين أساسيين على أن يكون الموضوعان المختاران مختلفين تماما. وبموجب هذا التوجه لن يكون بمقدور الطلبة أختيار أختصاصين مثل اللغة الأنكليزية والتاريخ أو المالية والمحاسبة حيث ينبغي على الطالب أن يختص بكل من التاريخ والمحاسبة أو المالية واللغة الأنكليزية على سبيل المثال لا الحصر. وذكر تقرير حديث صادر عن جامعة فاندربلت University Vanderbiltالى أن (عددا كبيرا من الطلبة يرون أن الربط بين أختصاصين مختلفين يتيح الفرصة أمامهم للتفكير بشكل مختلف) ، ويؤدي الى حل الألغاز الفكرية والتعاطي مع الواجبات الدراسية على نحو أبداعي. وتتعاظم مثل هذه المكاسب حين يختص الطلبة بحقلي معرفة متباينين تماما وبالأخص اذا عمد الطالب الى الربط بين العلوم والأنسانيات والفن. من هنا ترمي الجامعة المثالية الى تخريج طلبة مفكرين مرنين ومبدعين ومتمكنين من أكثر من حقل علمي. أما أعضاء هيئة التدريس في الجامعة المثالية فيتم أنتقائهم وفق الكفاءة والتمكن من ميدانين معرفيين مختلفين تماما.
4. ثقافة التعلّم مدى الحياة
أعلنت كلية وارتن Wharton School قبل أربع سنوات عن خدمة جديدة أسمتها (المعرفة الدائمة) حيث أصبح بمقدور سائر خريجي برنامج ماجستير أدارة الأعمال MBA لعام 2010 والخريجين اللاحقين أن يلتحقوا بدورة مكثفة كل سبع سنوات لتنشيط معلوماتهم.
من جانبها تعمل الجامعة المثالية على توسيع هذه الفكرة فالطلبة المقبولون في الجامعة بعد أجتياز الأختبار المقرر سوف يتلقون عددا كبيرا من الخدمات والفرص التعليمية بأعتبارها منفعة مدى الحياة. وبذا لن يعتبر الطلبة وفق هذا القياس في الواقع (خريجين) في هذه المؤسسة التعليمية العليا ، فرغم أن أولئك الطلبة قد حصلوا بالفعل على الشهادة العلمية المقررة (البكالوريوس) فأنهم سوف يواصلون دراستهم وحضورهم قاعات الدرس أو تلقي المشورة ذات الصلة بسيرة عملهم المهنية فضلا عن التعليم أو التدريب التنفيذي. ويشبه وضع الطلبة في هذه الجامعة حال الأشخاص المنتمين الى أحد الأندية الرياضية حيث يتمكن العض الطلبة من ممارسة التفكير الأبداعي سيما وأن البحوث العلمية في هذا المجال أثبتت أن الذهن النشيط يمكن أن يدرأ آثار الشيخوخة. فضلا عن ذلك سوف تتم دعوة بعض الطلبة الأكثر سنا الذين حققوا تميزا ونجاحا في مسيرة عملهم للتدريس ونقل تجاربهم للطلبة الشباب.


5. التكاليف المالية
لاشك أن الديون التي يتحملها الطلبة تطرح مشاكل عديدة لعل أكثرها حدة هي أن الأطراف التي تستفيد من خريجين مثقفين ومتمكنين تدفع مبالغ مالية قليلة وبشكل متزايد لقاء تلك المنفعة. ودأبت الشركات على أخبارنا دوما أنها بحاجة الى خريجين مؤهلين لأشغال المواقع الشاغرة ويذهب آخرون أنهم بحاجة الى الناس المثقفين للحفاظ على الديمقراطية. على أننا نلاحظ أن الجهات الحكومية تنفق أموالا قليلة على مثل هذا التعليم المدني فالأعمال تحصد المنفعة المتأتية من القوى العاملة المثقفة لكنها لاتدفع بشكل مباشر لقاء تلك الفائدة.
بدلا من ذلك من المتوقع أن يدفع الطلبة فاتورة باهظة على نحو متزايد لقاء ضمان التدريب المهني أو التعليم المدني. ويبدو ان الجامعة المثالية تشبه جمع كل من جامعة كاليفورنيا – بيركلي California-Berkeley (في الماضي) وبرنامج التدرب على مهنة ما حيث تعمل كل من الدولة والأعمال على التعهد بتقديم العون المالي للتعاطي مع كلفة تعليم الطلبة.

http://evolllution.com/opinions/elements-ideal-university/