التسامح الديني أصل الوجود...


قال تعالى (تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
مذ خلق الله الأرض وما عليها فرض معها التعايش بسلمية وهذا ينطبق على كل ما خلقه سبحانه وتعالى سواء ما يمكن الإنسان التعايش معه وبه او ما لا يمكنه، إن التجارب الحياتية للإنسان ومنذ بدء الخليقة فرضت عليه ان يتعايش مع كل ما يحيط به من مخلوقات عاقلة أو غير عاقلة لذا تراه وعبر تجارب مختلفة منها الناجح ومنها الفاشل من نقل تجاربه الى ما بعده من العصور وكون الأنسان في تكوينه محب للمدنية والتغير أي التطور لذا تراه يترك ما كان يتعايش معه الى ما سوف يتعايش معه حسب الحاجة والرغبة في والتطور...
التسامح البيئي:
إن أهم تسامح للإنسان الذي كان مدعاة للاستقرار هو التسامح البيئي حيث كان عليه أولا أن يتسامح مع التقلبات البيئية التي لا إرادة له فيها فالامطار والرياح والزلازل والارض وعوامل التعرية والحر والبرد ومتغيرات الأمكنة فرضت عليه ان يوجد بداخله مساحة تفرض ان يتأقلم معها رغم احساسه انه لا يمكن ان يقارعها كونها اقوى منه او إنها ذات قوة إلهية لا يمكنه ان يتدخل في تغييرها إلا بالتسامح وذلك من معرفته بأشغال عقله عن أيجاد وسائل يخترعها لتكون حلا سلميا وداعما وحاميا له ليتوسط المكان او البيئة التي يريد ان يستقر به فأبتكر المستلزمات التي تمكنه من بناء اسرة ومن ثم مجتمع يكون العمل فيه مشتركا بتعاون سلمي وإن اختلفت العادات والتقاليد او الامزجة بين تعددية الذين يتعايشون فمن طبع الإنسان القديم النزوح الى أماكن يمكنه ان يتأقلم بالتعايش معها رغم انه يحمل عادات وتقاليد تختلف لاشك ممن سيتقرب للتعايش معه لكن بالتأكيد الحاجة الأولى هو ( السلام ) للشعور بالإطمئنان وطرد الخوف من المقابل بين الطرفين حول نية التعايش بتسامح وهكذا ....
لكن هذا لا يجعل العالم مثاليا فهناك من لا يرضى إلا بالسيطرة وفرض التعامل بعنف وقوة وجبروت وهذا احد اسباب التطرف ألا وهو التعنت والاستبداد بالأنا خاصة إذا ما تجمعت نفوس بداخلها نمى العنف وسيلة في الحياة نتيجة عدم الرغبة بالتعايش والتسامح واخذت العيش بقانون الغاب ذو النزعة العدائية في كل شيء لا يتماشى مع فكرة الحياة بسلمية.
التسامح الجتماعي والغريزة..
فكرة التسامح الإجتماعي هي منخرطة من التسامح البيئي وهذا ما نلمسه في مكان يحمل في طيه وجنبات أرضه مساحة واسعة تسمح بالنزوح نحوها غرض الإختلاط والتجانس فس محاولة قبول التغيير سواء على مستوى تغيير النسل وتغيير العادات والتقاليد مع التمسك بالقيم منها... حيث البحث عن قاعدة أعرض وأشمل تخدم هذا التعايش وتهدف الى خلق بيئة أوسع تتعامل مع الجميع بعادلة وتسامح دون المساس بالمعتقد و الدين فكل يعبد ما يريد وما المخلوق إلا إنسان وُجد من أجل العبادة أما الكيفية فتلك وسيلة بينه وبيم خالقة أياَ كان اعتقاده الذي يمثله وما وصله من انبياء أرسلوا على مدى التأريخ ...ولو تطلعنا لكل الرسل لوجدنا ان رسالتهم واحدة والهدف واحد وإن اختلف الوسيلة في الدعوة لذلك لكنها بالتأكيد كانت سلمية تدعو للتسامح بين الافراد او المجتمعات المناطقية او المجاورة والتجاون عن الطبقية لتلك القرية او هذه القريبة منها والبعيدة...
كل الرسالات تحدثت عن آلية التعايش وطرق نشرها فمنهم من أخذ بها ونجح ومنهم استبد وطغى وهذا شأن الحياة فيما إذا اردنا ان نوجد مجتمع مثالي لاشك بل لابد أن نصطدم بمن يعارض ذلك كون التعايش والتسامح صفة نادرة إنسانية لا يحملها إلا من استوقد عقله بنور ان الناس جميعا خلقوا من طين صلصال واحد من اديم الأرض وبيد خالق لا مثيل له فبرغم تلون البشرة والاشكال والاجناس واللغات والطباع فجميعهم يشتركون بنهج البحث عن التعايش السلمي ويتناسون ان بداخل كل مخلوق منهم بذرة التسلط والعنف وهذا ما دعى قابيل بقتل اخيه هابيل الشعور بالافضلية والغريزة رغم قناعته انه ليس له الحق بالافضلية لكن شيئا ما بتركيبته العقلية دعته للتنصل من إنسانيته ورفضة عامل التفوق الانساني الذي يمتلكه أخيه وصلته بما يحيط به وخالقة شعر بنقص ادى الى اقتحام المحرم ونكران فكرة التعايش بسلام مع اهله واسرته ومجتمعه وبيئه فارتكب الخطأ فكانت تلك الغريزة هي سبب البلاء في الموروث الانساني الذي قادته الى ارتكاب المحرم لينال مأربه... إن فقد الانسان المخلوق وتركه المساحة المضيئة التي في عقله تلك التي لا يلجأ إليها ربما واقول ربما إلا حين الوقوع في الندم او الخطأ ويسدل الستار الاسود عليها متى ما استمر في متابعة طريق الجبروت والدكتاتورية والتفرد بالرأي خاصة إذا وجد من هم على شاكلته الذين يبحثون عن السلطة والأنا.
التسامح الأسري...
هو برأيي التسامح الاساس بعد التسامح البيئي فالأسرة هي اللبنة الاولى في صياغة التسامح متى ما تعايشت بسلمية غير وارثة مخلفات بيئية وتأريخية سواء كانت دينية او اجتماعية فالتسامح مبني على التطور المدني والمدنية مبنية على الارتقاء بالعقل وهذا ما قاله الله سبحانه وتعالى ( تفكروا يا أولي الألباب ) ويقودنا ذلك الى الآية الكريمة الاولى المستهلة في البداية التفكر والتعاون وهذا بالطبع يلغي فكرة التمايز العنصري فالتفكر والتعاون مع البيئات الاخرى والاسر من خلال الاختلاط والتزاوج المختلف بين الشعوب لاشك انه يورث المتغيرات سواء الجسدية والعقلية... حيث ان المتغيرات البيئة من حيث نقل نبات من مكان الى اخر او تجربة المزج عادة ما توجد نوع جديد يحمل صفات ترتقي بالمضمون او الطعم او النوع وكذلك الكم ... مع حسبان جانب الخطورة او الفشل ....
لو حاولت كل اسرة وذلك مقرون بالرجل والمرأة تلكما الشخصان اللذان ارادا ان يتعايشا بسلمية بعنوان الحب وتكوين اسرة لابد كل منهما يحمل إرهاصات وخزين فكري متراكم عبر ما عايشه مع ذويه وعشيرته قد ترك ملفات متعددة منها ما هو اسود ومنها ما غطاه الغبار لكن التعايش مع شرائح مختلفة ربما دعته بنفض الغبار عنها وتصحيح ما نقل له بقصة او حكاية او بقراءة تأريخ لاشك انه المسبب الأول في ما نعانيه الآن كونه منقول بشكل خاطيء بعبارة أخرى تأريخ مصلحي اعتمده من هم عبيد للسلطة والجبروت فألغوا صور التعايش السلمي وهذا ينطبق على كل من هم مخلوقين على وجه الارض بمختلف الاجناس والديانات فمهما يحاول الانسان المتمدن والمتحضر ان يزيح او يميط اللثام ليبن أنه يمكن ان يتعايش بسلمية وتسامح يظهر له مارد التأريخ المزروع بعقل شخص كامن عن الحركة ليناهض نظرية التعايش بتسامح ويثير بركان الدين ونزعة التطرف ...
لذا نراه يزحف أي الإنسان المستنير بعيدا ليبحث عن بيئة يمكن ان تتوافق مع صور التعايش التي يحمل وذاك بالطبع بالبحث عن شخص يحمل نفس الموروثات التي تؤمن بالتعايش والتسامح في محاولة لخلق اسرة قد لا أبالغ إذ أقول نموذجية...
التسامح الديني...
وهو الترمومتر والحساس الأساس في نشر الاستقرار والتسامح وبدل من ان يستخدم بصورته المشرقة استغل ببعض صوره التي حرفت لإغراض دكاترة عصور منصرمة على مر العصور رغبة في السيطرة والتحكم بخلق قاعدة مبنية على الخوف والتطرف من الآخر وأعني هنا اي آخر سواء حيوان او جماد او إنسان وبدأ العد التنازلي بعد ان تمكنت القوى العالمية في البحث ومحاولة السيطرة على الثروات الطبيعية والتوسع وبالطبع ذلك يؤدي الى البحث عن مجتمعات بدول لا هم لها سوى الاستهلاك والتعايش بتقاليد الماضي المستهلك ... من زرع فتن ونزاعات دينية متطرفة في صفوف مجتمع ودول عربية كان ام غربية او أوربية او اسيوية قابلة لذلك كونها سليقة ومخلوقة على حب النزعة والتسلط ...
إن التسامح الديني هو الافيون المدمر وبنفس الوقت هو الترياق للتعايش فيما إذا امسك التعامل به من الوسط فلا يمكن التحكم به من أحد الاطراف حتى لا يكون كالعصا للمقابل يخاف منها ويرغب بمسكها كونها تمثل الجبروت وتطرد الخوف من الداخل والخارج.... لضعاف النفوس
إن محاولتنا للبحث عن مساحات هنا وهناك وإن كانت في وسط اجواء لا أقول سوداء بقدر ماهي داكنة للبعض وضبابية للبعض وجب علينا أي من نظن أنا اصحاب الرؤى الواقعية والمتسامحة على الأقل مع النفس ان تورق خارج اسوار الرأس والعقل لتنثر فرادى كانت ام جماعية بذور تسقطها هنا وهناك مع التأكيد على أن تكون الارض قابلة للتبرعم المستقبلي وسقيها بأفكار التعايش السلمي والتسامح بمختلف لغاته وتعبيراته صامتة كانت او بصور تعبيرية او كلامية بالتأكيد ذلك يحتاج ادوات حديثة للحراثة والعناية بالري وطرق سقيها مع اختيار الايدي العاملة الراعية المريدة للعطاء ان تثمر الارض بأنواع قد لا يكون جديدة لكن لابد ان طعمها يستسيغه من يتناولها بعقله وقلبه...
فكلنا مخلوقين نحمل رسالة ما الى العالم بكل ابعاده وتعدديه فما خلقنا الله عبثا ... لكن الإنسان بطبعه العبثية .. لذا أدعو ان نتعامل بإنسانياتنا قبل اشكالنا ولغاتنا او معرفتنا فالمعرفة مكتسبة تأتي بالتلاقح بين فئات مجتمعية مختلطة وشخوص لها رؤها في تطرف او معتقد او دين معين ولكن بالانفتاح وقبول المقابل بلونه وجنسه وحجمه وثقافته فكل له ثقافة يحملها موروثة او مكتسبة والدعوة للإنفتاح بين ابواب او نوافذ عقلية إنما تثري وتنمي وجهات وافكار ربما صحيحة وربما مغلوطة تصحيحها وارد عند البعض لكن الكسب الحقيقي هو الحصول على رؤية واحدة يمكنها ان تكون الخطوة الأولى لأجيال ملت العنف والتطرف والاضطهاد والشعور بالنقص كونها تحمل معتقدا او دينا غير دين الاغلبية ... ولعل عبارة ( الدين لله والوطن أيا كان الوطن للجميع ) عبارة صحيحة عقليا، فحتى الحيوان والنبات له دينه ومعتقده الخاص الذي يدعوه للتعايش مع مختلف المتغيرات البيئة فقد لأنه يريد أن يوصل رسالة خلقه الله من أجلها...
كلنا مخلوقات الله بتعددياتنا وأدياننا ومعتقداتنا وعاداتنا وتقاليدنا ومذاهبنا وألواننا وأشكالنا ورغباتنا بِشرَنا وخيرنا ...ولابد ان الله الخالق له حكمة وإرادة في جميع ما نشكو منه ونعانيه... كما علينا ان لا ننسى ولا نرمي الخالق بالسبب فقد اعطانا جوهرة العقل والطمأنينة والمعرفة لكي نتعايش ونتسامح فمتى استخدمنا تلك الأدوات بصورة وشكلها الصحيح لابد انها توصلنا الى بر الأمان للتعايش بسلمية وتسامح ضمن قوانين واعراف ودستور يحكم بين الناس بالعدل وإن كان ميزان العدل اعمى لكن الحق لابد ان ينتصر وذلك ضمن التسامح الانساني بمختلف الديانات.