عناقيد العنب

 

تحدث في الحياة مصادفات لم نحسب لها حساباً لم تكن تخطر على أذهاننا لكنها تحدث  قد تكون تلك ألأحداث أو المصادفات مدخلاً الى علاقات جديدة ربما تكون مفرحة وربما تصب في جدول آخر من جداول حياتنا. إعتدت كل يوم بعد الغروب أخرج من البيت لأزاول رياضة السير على ألأقدام مسافات بعيدة أضعها ضمن خارطة معينة للحياة. وأنا أسير في طرقات المدينة الصغيرة رحتُ أنقل نظراتي من مكانٍ الى آخر   عشرات – الجنابر أو البسطيات- تفترش حافة الطريق القريب من ثانوية نبوخذ نصر للبنين. أعداد كبيرة من الشباب وقفوا أمام بضائعهم يرتعشون من البرد وكل واحدٍ منهم يصرخ بأعلى صوتهِ – تنزيلات..تنزيلات – كي يلفت نظر السابلة أمثالي للتوقف قليلا لألقاء نظرة فاحصة على ماوضعوه من بضائع صفت بطريقة أنيقة على مساندهم الحديدية. هذا طالبٌ لازال في دراسته الجامعية وذاك كان قد تخرج من الجامعة ولم يجد له منفذا للولوج الى وزارةٍ من الوزارات التي لايمكن الوصول إليها مالم تكن لديه- واسطة – معينة أو يدفع مالاً لايستطيع جمعة لو بقي يعمل هنا عشرات السنوات. الغريب في ألأمر أن المكان كان قد أزدحم بالباعة ولايمكن لأحد من الشباب ألآخرين أن يجلب بضاعته والوقوف الى جانبهم مالم يدفع مبلغاً معيناً من المال كي يفسحوا له المجال. تحدثت مع – زهير- الشاب المتخرج من كلية ألأعلام – حينما قذف بي القدر إليه والحديث معه عن هذه الظاهرة قال بأسى ” ..الدراسة لم تعد لها قيمة في بلدي. حاولتُ الحصول على مكانٍ لجلب بضاعة وعرضها هنا لكنني تفاجأت من أن صاحب ذلك الدكان يطلب مني ستة ملايين للسماح لي بالوقوف هنا في هذا البرد كي أعتاش من البضاعة التي أفكر بجلبها. هو حلم ضاع مع الريح. أفكر ألآن بشراء ستوتة بمليونين كي أنقل بها أي شيء وألأسترزاق عن طريقها..ثمن الستوتة البسيط هو ألآخر عقبة كبيرة في طريقي. من أين أحصل على هذا الملبغ الباهظ جدا بالنسبة لي البسيط جدا بالنسبة للسراق الذين سرقوا كل شيء في العراق وتركوننا نحن الفقراء نلعق جراح الحسرة كل يوم..” تركتُ زهير مع أحلامه وواصلت رياضة المشي نحو جهةٍ أخرى من المدينة التي تسبح في حزن ليس له قرار. بعد أن قطعت مسافة أكثر من كيلو متر آخر في الجهةِ المعاكسة توقفتُ أمام محل كبير لبيع الفواكة. في الحقيقة لم أرغب بشراء أي شيء لكنني حينما شاهدتُ شاباً أنيقاَ جميل الصورة سريع الحركة في ترتيب معروضاته من الفواكه دفعني فضول للحديث معة عن طريق التظاهر بشراء كيلو عنب جذبتني طريقة عرضة. ” تفضل عمو سعر الكيلو الفان ونصف من الدنانير العراقية” قال تلك العبارة وكأنه يتضرع في سره أن لاأ ذهب دون شراء شيء ما. أخبرتهُ بأن هذا السعر ربما يكون غير صحيح لأنني إشتريت عنب مماثل من محل في الطعمة بـ 4000 ألآف دينار قبل يومين. إبتسم وهو يؤكد لي أن السعر الذي ذكرة هو الصحيح. كان ذلك مدخلا للحديث عن أشياء شخصية تطلبها الموقف. عرفت أنه مواليد 1990 وهو مهجر من إحدى المحافظات التي تعتمر بها هذه ألأعوام إضطرابات لاتنتهي. أكد لي أنه خريج إعدادية الصناعة وحاول البحث عن عمل في كل الطرقات والحارات والوزارات وكانت النتيجة معروفة كقضية الشاب زهير. عرفت أنه يذهب كل صباح في الساعة الرابعة صباحاً الى – علوة المخضر- ويجلب بضاعته ويظل حتى الليل يعمل بجدٍ من أجل توفير لقمة العيش. قال لي بأنه من المتفوقين وأراد أن يدرس في المعهد لكن ظروف العيش لاتسمح له بذلك. هو يحلم كباقي الشباب الذين يحلمون بأشياء بسيطة لكنها صعبة جدا كحلم زهير في الحصول على – ستوتة- . قال وهو يتحدث بألم ” ..عمو أجرت هذا المحل بـ 800 الف دينار ..أعمل من الصباح حتى المساء لكنني في نهاية الشهر لا أجمع إلا 750 ألف دينار أعطيها للأيجار..مع هذا لاأتوقف عن العمل أشعر بالموت حينما أظل في البيت بلا عمل..

 

من يدري ربما تتحسن ألأوضاع يوما ما وأعود الى بيتنا هناك وربما أجد فرصة أخرى أفضل .

 

صار صديقي علماً أنه أصغر من أصغر أبنائي. عدتُ حزيناً وأنا أسير في الشارع الطويل عائداً للبيت..أفكر بهؤلاء الشباب العاطلين عن تحقيق أي شيء. قبل أيام قرأتُ في رحلاتي المكوكية على النت أن احد السياسيين ينوي بناء مدرسة للرقص في القاهرة وأنه تخاصم مع مجموعة من البلطجية- حينما إقتربوا من الراقصة التي كانت مع السياسي ..وطالعتُ أيضاً أنه كان يبذخ ألأموال الطائلة على راقصة في بيروت وكان قد تسابق مع تاجر عراقي عى نثر الدولارات على تلك الراقصة لدرجة أن مانثره على تلك الراقصة وصل الى مليون دولار. إن هذا لشيء عجيب؟؟ . لو كان ذلك السياسي قد جاء الى بغداد وفتح مشروعا للشباب يستقطب من خلالة آلاف الشباب العاطلين عن العمل وأنقذهم من حالة الركود التي يعيشون فيها ..عندها كيف ستكون الحال؟ لايهمني إن كان المال الذي حصل عليه   هل هو حلال أم حرام ..الذي يهمني هو طريقة بذخه في ميدان سحت لايمت للدين ألأسلامي بأي صفة. العراق سيبقى يئن مادام هناك متنفذون لايعرفون الطريق الحقيقي لأسعاد البشر ولايعرفون إن كل فلس سرقوه سيكتوون به هناك حينما يقفون أمام حاكم عادل لايعرف المراوغة في إصدار القرار. ..هو الله جل وعلا.