الصرخة المدويّة

 

تؤدي السينما دوراً فعالاً في طرح قضايا كثيرة عن المجتمع والحياة, عن الحروب بكل شكل من أشكالها, عن العنف وعن ألأنسانية وكل ما يرمز الى الوجود البشري على هذا الكوكب. ألأعلام بصورة عامة هو ألآخر يفعل الشيء الكثير في كافة مجالات الحياة. أحياناً يتم توظيف الفلم السينمائي أو التلفزيوني حسب الخطة أو الهدف التي يُراد لها الظهور أو إزالة ماكان قد حدث في فترة معينة من حياة ألأنسان على مر التاريخ. الدافع الذي حفزني على الكتابة عن هذا الموضوع هو الفلم ألأمريكي الذي شاهدته بالصدفة على اليوتيوب من كتابة وأخراج – Luke Moran – وهو يحاول نقل حادثة معينة من أحداث سجن أبو غريب وكيفية عرض الفعل الشنيع الذي قامت به القوات ألأمريكية المسؤولة عن إدارة ذلك المعتقل الرهيب. في هذا البحث ليس المقصود هو هل أن الذين كانوا في ذلك السجن أبرياء أم غير ذلك ولكن المقصود هو إظهار كيفية عرض صورة معينة ومن زاوية معينة ربما تكون ضد أو في صالح القوات ألأمريكية. المشاهد هو الذي سيقرر عن وجود الهدف الخفي من وراء إنشاء ذلك الفلم. المخرج أراد أن يُظهر لنا حالة إنسانية معينة من خلال بطل الفلم وكيف أن ماقام به الجنود ألأمريكان في ذلك الزمن كانت نتيجة لتصرفات شخصية تدل على شخصية وحقد كل من قام بذلك الفعل. خلاصة الموضوع أن شاب عمره 22 سنة يذهب الى الخدمة في العراق وحينما لم يجد مايقوم به في وحدتهِ العسكرية سوى روتين يومي غير قتالي شعر بالملل وطلب نقله الى ألأنضباط العسكري ليخدم ساعات محددة طيلة فترة خدمتة كحارس داخل سجن أبو غريب. صُدم الشاب في ألأيام ألأولى من خدمتة حينما شاهد المعاملة القاسية التي يقوم بها الحراس الذين أوصوه بعدم الحديث مع أي سجين ومحاولة معاملتهم بصورة قاسية لأنهم لايستحقون الحياة وهم مجرد وحوش قتلة. بمرور الزمن راح أحد السجناء العراقيين الشباب يتقرب الى ذلك الحارس وتوطدت بينهما علاقة إنسانية جميلة لدرجة أن الجندي ألأمريكي بدأ يجلب للسجين قطع صغيرة من ألأرزاق الجافة ويتحدثان عن عائلتيهما ويضحكان. هذه العلاقة ألأنسانية البريئة أدت الى معاقبة الجندي ألأمريكي وتأخير إجازته التي كان ينتظرها بفارغ الصبر. بسبب هذا التأخير تغيرت تصرفات الحارس وراح يضرب صديقه السجين ويصرخ – كل هذا بسببك- . كان الجندي ألأمريكي يصارع مشاعر إنسانية في داخلة في بعض المرات ينظر الى صديقة وكأنه يريد ألأعتذار لكن الواجب والصدمة التي وصل اليها الجندي ألأمريكي جعلته لايتراجع عن أفعالة. عاد الى عائلته وذهب مع صديقته الى السوبر ماركت وإذا بشاشات التلفاز العملاقة تعلن خبر المعاملة الوحشية التي كان الجنود ألأمريكان يمارسونها ضد السجناء المساكين. تظهر صورة الجندي ألأمريكي على الشاشات وهو يصرخ على – صديقه السجين العراقي- ويحاول دفع رأسهِ الى حاوية القاذورات التي يتغوط فيها- وتقول المذيعة بصوتٍ مدوي – أيُّ إنسان يفعل فعلاً شنيعاً كهذا؟- يقف الجندي ألأمريكي في وسط السوبر ماركت ينظر الى كافة الشاشات العملاقة التي تُظهر عملة الشنيع. تقف صديقته خلفه مذهولة وقد صمتت كأن الطير على رأسها. وينتهي الفلم.

 

ماذا أراد أن يقول لنا المخرج؟ هل أن الواجب فوق كل شيء أم العيش في جو عسكري مرعب يغير ألأخلاق ألأنسانية ويكون هناك تحول شنيع في مباديء ألأخلاق التي تحملها الروح البشرية؟ أم أراد أن يخفف من وطأة ألأعمال الشنيعة للأمريكان ويضع اللوم على ألأشخاص فقط دون القيادة العسكرية؟ أنا شخصياً تأثرت ببعض المشاهد وذرفت بعض الدموع حينما كان البطل يساعد السجين ويقدم له صورة صديقته وكيف أنه يشتاق لها ..وكذلك حينما وقف في وجه بعض الحراس الذين كانوا يعاملون ذلك السجين بوحشية ويؤكد لهم أن هذا الشخص بريء لأنه عرف كل شيء عن حياته الشخصية وهو طالب جامعة. لكن صورة التعاطف مع البطل تلاشت حينما تبدلت شخصيته وأصبح يعامل صديقة بوحشية مطلقة.