الخراب الاقتصادي فسادٌ يُضافُ الى رصيدكم

لم نعدْ نتفاجأ بالمليارات التي تنزل في حساب أرصدتكم ومن حولكم الذين ينتظرون فتات موائدكم الذين تناسوا أن هذه الاموال هي من أستحقاق شعب عاش في فترة مظلمة تخللّها حصار جائر على لقمة عيشه وحاجاته الاساسية بأبسط أشكالها , وما أن توهم الشعب بأن تلك الفترة قد خلت وأن الزمن كفيل بنسيانها حتى هجمت عليه خفافيش الظلام والمتلبسة بعباءات التي وأن أختلفت بأشكالها ومسمياتها وأعتقاداتها ألا أنها تتوافق من قصد أوغير قصد في تعميق خرابٌ ممنهج في التركيب البنيوي لوطن وشعب أنهكته الحروب وأبعدته عن حقوقه المدنية وألانسانية التي أسستها وشرعتها أولى الحضارات التي عاشت على أرضهِ .

ولعل اكثر المسارات التي أصابها الخراب هو ألاقتصاد , وبأستثناء بعض الشخصيات والقنوات الاعلامية التي قدمت أستبيانات لمستوى الخطر الذي سيلحق بالاقتصاد جراء سياسات جاهلة تماماً بما يعنيه ذلك المسار وتأثيراته الخطيرة على مجمل الحياة المجتمعية ,وكيف أنه أصبح من المعايير العالمية لميزان القوى العالمية , وعلى الرغم من عديد الشخصيات واللجان والهيئات التي تسنمت المسؤولية أو أهتمت بذلك المسار الا اننا نرى أن الحديث عن أنهيار ألاقتصاد أصبح معلناً ويؤشر بأن البيانات الحكومية أخذت تعترف بأنها غير قادرة على أحداث أي خطة ولو مرحلية لأنقاذ الاقتصاد من الانهيار التام , ومن المخجل فعلاً أن نسمع أن برلماناً يهنئ شعبه على أقرار ميزانية بها عجز 25% وأن تلك الميزانية قد أوقفت أغلب المشاريع الاستثمارية ونالت من رواتب الموظفين والمتقاعدين , وقد تُعيد عجلة التاريخ لفرض حصار أقتصادي هذه المرة سيكون داخلي ومن الحكومة نفسها , وما يذهب اليه البعض من حلول لاتستند الى أسس علمية ولا تمت الى أي خبرة تطبيقية أو أستشارية سوف لن يعالج الاصول وسيبقي ذلك التدهور الى ما لايحمد عقباه .

وبالعودة الى الاسباب الموضوعية نرى أن أهم الاسباب هو عدم أمتلاك من تسلم السلطة أي بعد وطني وابتعد عن أي وعي سياسي لما يعنيه مفهوم الاقتصاد وآلياته الحديثة , وأصبحت المنظومة الاقتصادية عبارة عن مردودات مالية من صادرات نفطية تم أسرها بتراخيص عقودها كانت هشة وغير أحترافية , ثم تقوم المالية بتقديم مسودة ميزانية الى البرلمان لتقوم الكتل والاحزاب بتفصيلها مجدداً حسب قياساتها وأهدافها ومنافعها , وبعد أن يتم أقرارها يتم توزيع الاموال على الوزارات والمحافظات والهيئات لتقوم بصرف تلك الاموال حسب متطلباتها بدون ان يكون هناك منهج أستراتيجي أقتصادي تتكامل فيه تلك الصرفيات وتترابط وتتفاعل لتوسيع المردودات الاستثمارية من المشاريع المنجزة وفي القطاعات المختلفة  , وهذا باختصار مفهوم الاقتصاد بشكل عام , وهو عبارة عن توظيف المردودات المالية المتحققة من مصدر أثرائي كالنفط مثلا في أي جانب أستثماري لتحقيق زيادة في الناتج المحلي أو القومي في الدول التي تعتمد الفدرالية كنظام لها .

ومن هذا المنطلق يصبح التطبيق محتاجاً الى دراسات علمية دقيقة في كافة المسارات وتأثيرها على الاقتصاد كأساس بنيوي للدولة , فلابد لأي مشروع أستثماري من دراسة الجدوى الاقتصادية والتي تؤشر الى جداول المردودات المالية والتشغيلية والعمر المفترض والتوسع المستقبلي والكادر الوظيفي والتنسيق والتاثير على التخطيط العمراني ومدى تكامل المشروع مع التركيب العمراني للمدينة ككل , وفضلا عن هذا فأنه يجب دراسة كافة مفاصل الدولة وما تمتلكة من أمكانيات تمويلية ترفد الاقتصاد بالايرادات المالية المتحققة جراء تشغيل ذلك المفصل أو أستثماره , وكيف يمكن المناقلة بين مشروع وأخر لتحقيق مستوى أنجاز أعلى , وكل تلك الايرادات المتحققة للحكومة لابد أن تكون من خلال مؤشرات حيوية تؤخذ من القطاعات الخدمية والصناعية والزراعية والبنائية وغيرها , وكيف ترتبط تلك المؤشرات بالواردات والصادرات وعلى القطاع التشغيلي وعلى رأسها مؤشر البطالة , ويكون المؤشر الفائق الاهمية هو كيف يمكن تراجع الاعتماد على الثروة النفطية في أقرار الميزانيات كونها معرضة لتقلبات السوق العالمية , فقط لو أمعنا النظر الى أي مؤشر أقتصادي عالمي وفي أي قطاع وكيف أن واحد بألالف من ذلك المؤشر صعوداً أو أنخفاضا يوثر بشكل سريع على القطاعات ألاخرى وكيف يتم الاستعداد لذلك التراجع مع وجود حلول أستباقية ومعالجات علمية تحتوي التاثيرات السلبية التي قد تؤدي الى أنكماش الاقتصاد في أي دولة .

كل هذا المفهوم لم يؤخذ بنظر الاعتبار الى ألان في سياسات الحكومات التي تعاقبت على السلطة ولعل السبب أصبح أكثر واقعية من أن يدور في دائرة الاتهامات وطلب الادلة وذلك لأن النتائج التي نلمسها تؤشر بعدم كفاءة ونزاهة المتصدين للسلطة وعدم أمتلاك الرؤى وحسن النية والحس الوطني في تأسيس أقتصاد متنامي بما نمتلكه من فرص تأهيلية وأستثمارية وطاقات بشرية , وكان الهمُ الاكبر هو كيف يمكن زيادة الرصيد المالي للمسؤول من أموال وعقارات وسندات محلية واقليمية وعالمية , ولكن مع كل زيادة في أرصدتكم المالية تزاد أرصدة فشلكم وفسادكم وخذلانكم لشعبكم الذي وضع أمله وثقته بمن أوصله الى منصب حكومي , وسيكتب التاريخ عن كل تلك الارصدة والتي لن تكونوا قادرين على مسحها من الذاكرة الشعبية والوطنية , وقد فاتتكم فرصة لن تتكرر , فبدلا من أن تستثمروا ملياراتكم في ما اوصلتم اليه شعبكم من خراب , كان لابد من أن تستثمروا في تنمية الانسان العراقي لأنه اساس البناء .