العشق المسروق

 

كانا يخترقان الشارع المقابل لدكاني الصغير المركون في غفلة تاريخية من زمن خريف العمر يتلفتان ذات اليمين وذات الشمال كأنهما يستجديان لحظات عابرة في يومٍ شديد البرودة.

 

لم أهتم لهما في بداية ألأمر فقد إعتدتُ على مشاهد يومية تمر من أمامي ضمن خارطة حركة الحياة المحصورة بين شروق الشمس وغروبها. فتاة ترتدي ملابس الدراسة المتوسطة أو الثانوية تحتضن يدها يد شاب جاء من عالم مجهول بالنسبة لي. يسيران جنباً الى جنب كأنهما يمارسان قصة عشق وهمية رسمت في مسلسل تركي او مصري.

 

فتاة أخرى ترتدي ذات الملابس الخاصة بطالبات المدارس الثانوية تسير خلفهما كأنها مكلفة بحماية صديقتها من أشياء ربما تطرأ في لحظة غير مرتقبة. حكاية تتكرر في هذا الشارع منذ سنوات . لاأعرف لماذا تختار الفتيات هذا الشارع البسيط الخالي من عناصر الحياة عدا دكاني ووجودي المستمر فية منذ سنة أو أكثر.

 

أرسلتُ نظراتي إليهما من نافذة الدكان كأنني أمارس طقوساً خاصة بي لايفهمها إلا من عاش سنوات العنف الحربي في زوايا مختلفة من زوايا الحياة. كان الشاب ينظر الى جهتي بقلق مشهود كأنه ينتظر مني رد فعل لهذه النزهة التي يسرقها ألآن من تقاليد إجتماعية لاتعترف بها أبداً. تصرف مرفوض من قبل المبادئ الأخلاقية التي تربت عليها بناتنا منذ بدء الخليقة.

 

الفتاة  في هذه اللحظة ينبغي عليها أن تكون عند بيت أهلها حيث تنتظرها والدتها بقلق بعد إنتهاء ألأمتحان اليومي.

 

ماذا قالت لوالدتها.. هل أنها ستتأخر مع صديقتها بعد ألأمتحان؟ أم أنها تريد الذهاب الى السوق لشراء بعض الحاجيات الخاصة أم أنها معزومة في بيت صديقتها؟ أم سبب آخر.

 

سلسلة من مقومات الكذب التي لاتنتهي. كيف تعرفت علية وهي في هذه المرحلة البسيطة من التعليم؟ هل كان صديقها في الفيسبوك أم جيرانها أم حصل على رقم تلفونها بطريقة معينة وراح يكيل لها كلمات عشق وهمية لاتنتهي.

 

ماهي نهاية هذه العلاقة المسروقة في زمن رسمت فيه أشياء مرعبة لاتنتهي؟ هل سيتزوجها حقاً في هذه السنة المبكرة أم سينتظرها حينما تتخرج من الجامعة؟ أم أنه يريد أن يلهو معها فترة محددة من الزمن وبعدها يختلق عذراً وهمياً كي يتركها إلى ألأبد؟

 

عشرات ألأسئلة تمر في ذهني ألآن وأنا أراقبهما وهما يقطعان الشارع جيئة وذهاباً عدة مرات. هما متأكدان أنني لن أضايقهما أبداً أو ربما إختارا هذا الشارع لمعرفتهما أنني سأكون الى جانبهما لحظة حصول إعتداء خارجي من جهة معينة.

 

المشكلة ألأخرى قضية الفتاة التي تسير خلفهما كلما إستدارا للعودة عند نهاية الشارع. ماهو شعورها؟ هل كانت تتألم داخلياً لأنها لم تحصل على فرصة مناسبة للسير مع شاب كما كانت تفعل صديقتها؟ ماذا سيكون رد فعل شقيق الفتاة التي تسير مع صديقها لو شاء القدر في هذه اللحظة وصادف أن مر شقيقها من هنا؟ هل سيبارك هذه القصة المسروقة من تاريخ الزمن الصعب أم ستنطلق الرصاصات في كل ألأتجاهات؟ معادلة معقدة.

 

نحن لسنا في شوارع أمريكا أو البرازيل حيث الفتيات عاريات . لازالت لدينا قيم إنسانية إسلامية تمنعنا من ممارسة أشياء كثيرة تتنافى والدين الذي نتبعه.

 

أنا لستُ رجعياً وقد مارست نفس هذه الحكايات في زمن الصبا والشباب وعانيت ماعانيت. ماذا لو كانت هناك مؤسسة معينة في العراق تساعد على إدامة الحب والعشق بطريقة شريفة تساعد كل من يريد أن يرتبط بصديقتة عن طريق الزواج حتى وإن كانا في مرحلة المتوسطة عن طريق تقديم لهم مساعدات مالية عملاقة وبيت من أجل الزواج ومجاناً طالما أننا نملك النفط المتدفق في كل ألأتجاهات.

 

أيهما أفضل تهريب النفط بواسطة أشخاص لايخافون الله ويضيفون تلك ألأموال الى جيوبهم أم يساعد هذا النفط العشق والحب وبناء أسرة تشعر أنها مهمة بالنسبة للبلد الذي تعيش فيه .

 

لاتضحك أيها القارئ لأنني أوغلت في خلق المدينة الفاضلة ولكن يمكن أن يكون هذا لو كان لدينا أشخاص فاضلون يقودون حركة الحياة في بلدنا بدلاً من هذا العنف ألأجتماعي الذي نعيشه كل لحظة.

 

الأنسان في هذا البلد لم يعد له أي أهمية لأن الصراع أصبح صراعاً بين الشخصيات المتنفذة من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية وتركوا الشباب يمارسون قرب دكاني طقوس العشق المسروق.