نحو استراتيجية وطنية شاملة للشباب

يواجه جيل شبابنا العراقي في هذه المرحلة الصعبة، ما لم يواجهه أي جيل من الاجيال في التاريخ المعاصر من تحديات واستهدافات تتجاوز البعد المادي بكل ما فيه من حروب وتهجير ودمار، إلى انعكاساتها النفسية والمعنوية ونتائجها على ثقة شبابنا بنفسه وأمته وهويته ووعيه. 
ويجب أن لا ننسى أيضاً أن جزء من هذا "الجيل الضائع" هو يا يُسمى اليوم بـ "جيل الانتظار". هذا الجزء الذي سنسميه "الجيل" هو الذي حرمته الحروب والهجرات والصراعات، من حقوقه بالتعليم الأساسي وبالرعاية الصحية والمسكن والغذاء وبالاطمئنان الداخلي واصبح يفتقر للأمان بل ولا يعرف جوهر معناه. وأنا هنا لا أتحدث عن آلاف أو مئات الآلاف من الشباب ، ولكنني للأسف أتحدث ربما عن ملايين أنهكتها الحروب وانتهكتها الصراعات. وهؤلاء الملايين من شباب العراق أمامهم مستقبل غامض. لذلك أكثر من ربعهم يرغبون بالهجرة لأسباب إقتصادية وأمنية بشكل أساسي. 
ضمن هذا المحيط شبه العام وهذه الصورة المؤلمة، ينبغي أن تتكثف جميع برامجنا وخططنا وجهودنا، لتحصين الشباب العراقي من عدوى الأفكار المتطرفة الضالة التي استثمرت الأوضاع الإقليمية فانتشرت كالسرطان الخبيث في جسد شبابنا . كما يجدر بنا أن نتفق على استراتيجية وطنية لدعم الشباب وتمكينهم ومساعدتهم للتغلب على التحديات ومجابهتها بل وإحالتها إلى فرص حقيقية. وواجبنا هو توفير البيئة والأرضية المناسبة لهذا القطاع الكبير والحيوي وان نوفر الأجواء الإيجابية كبديل لمناخات اليأس والإحباط، وأن نوفر الإمكانات اللازمة والتدريب والمتابعة والدعم حتى يتمكن من القيام بمسؤولياته تجاه نفسه وتجاه حاضر ومستقبل بلده بكفاءة ونجاح، وان يفرز هذا القطاع من داخله، وبنفسه، قياداته ونخبه في كل مجالات العمل. ويتحقق هدف مهم وهو شراكة بين الخبرة والشباب لتجديد النخبة العراقية، وضخ الدماء الشابة في كافة عروق الحياة العامة 
والحقيقة التي لا تخفى على أحد أن الشباب العراقي وهو يشكل الأغلبية الأكبر في مجتمعنا، يعاني بشكل حقيقي ومقلق من أزمة البطالة، وهي أزمة تعني الكثير، وينتج عنها الكثير من المشكلات والآفات الاجتماعية، وتعكس شعوراً بالإحباط وفقدان الثقة بالعدالة الاجتماعية، وعدم القدرة على بناء مؤسسة الأسرة بسبب العزوف عن الزواج، وهو ما ينهك الطبقة الوسطى، ويؤدي إلى مشاكل ذات أبعاد اقتصادية وأمنية واجتماعية وثقافية ونفسية معقدة ومتداخلة. 
ولذلك، فإن المطلوب الآن وفوراً البدء بإعداد استراتيجية وطنية للشباب. والاستراتيجية هنا، لا تعني مجرد أدبيات وخطط تركن على الرفوف ولا يتم تطبيقها. وإنما هي برنامج عمل عابر للحكومات، وعملية تتصل عناصرها وتتنوع فعالياتها لتصل جميعها لتحقيق الهدف نفسه، والأهم أن تكون قابلة للقياس والمساءلة من خلال المراقبة والتقييم العلمي. 
وشبابنا العراقي كما أثبتت التجارب على أعلى درجات الوعي والمسؤولية والطموح. وهذا كان واضحاً خلال جميع التفاعلات الديمقراطية، حيث سجلت ذاكرتنا الوطنية لشبابنا المسيّس امتلاكه الدائم للحس العالي بالمسؤولية تجاه الوطن واستقراره وحرصه على التعبير الديمقراطي السلمي، ورفضه لمنطق الاستفراد أو التأزيم أو الإقصاء. 
من هذه الخلفية، ولتوضيح وتأكيد أهمية البدء بإعداد مثل هذه الاستراتيجية، سأقدم تصوّراً فيما يلي، لبعض المحاور التي أراها على قدر من الأهمية، ويمكن البدء بتنفيذها على المدى القريب، والمدى المتوسط، واترك المجال الكامل لأي اقتراحات أو ملاحظات أو إضافات، نحو بلورة استراتيجية وطنية للشباب العراقي، تكفل تحصينهم وتوفير البيئة المثلى لتفاعلهم وتمكينهم من مجابهة التحديات التي تجابههم. مع التأكيد أن كافة القطاعات العراقية مؤهلة وقادرة على القيام بدورها لخدمة تنفيذ هذه الاستراتيجية، فلا شك أن هناك أدوراً مهمة جداً للمؤسسة الدينية وللتربية والتعليم ولوزارات الزراعة والبلديات والثقافة والعمل وربما جميع الوزارات، والقطاعات الأهلية والمدنية بطبيعة الحال.
وزارة الشباب  والرياضة /
هذه الوزارة يجب أن لا تكون مهامها تقليدية وخاصة في مجالات الرياضة على أهميتها، وإنما تتعدى ذلك لمتابعة البعد التنويري، وأركز هنا على البعد التنويري، والثقافي والاتصالي والعمل التطوعي والجماعي ومعسكرات الشباب وبرامج التشغيل وغير ذلك الكثير
وزارة الشباب والرياضة تتحمل مسؤولية كبرى بتحويل طاقات شبابنا إلى ثروات خلاقة فعالة. وعلى الوزارة أن تقود تنفيذ الاستراتيجية الوطنية بهذا الخصوص، وتضع مجلس الوزراء بصورة الإنجاز ومواقع التقصير، في عمل الوزارات والقطاعات كافة بهذا الخصوص
دور الاعلام /
اولا : بلورة خطاب إعلامي جديد، قادر على مخاطبة الشباب، بلغة العصر وأدواته بعيدا عن الأسلوب التقليدي القائم على التلقين وطرح المسلمات.
ثانيا :  ربط الإعلام بالثقافة الوطنية، والتركيز على المبادئ والقيم التي قامت عليها الدولة العراقية، وربط الشباب العراقي بحضارته وتراثه الوطني.
. ثالثا : تسليط الضوء على المبادرات الشبابية الخلاقة ودعمها وتقديم النموذج
. رابعا : فتح منابر الإعلام للحوار المسؤول وإتاحة المجال للشباب للحوار والمساهمة في خدمة النقاش الوطني 
. خامسا : ترجمة الخطاب التنويري إلى مواد ورسائل إعلامية ناجحة ومؤثرة، وعدم الاكتفاء بالخطاب المباشر 
. سادسا : كشف زيف الخطاب الانعزالي المتطرف وآثاره التدميرية
التنمية والإصلاح الاقتصادي /

اولا : البداية من تكريس الشراكة مع القطاع الخاص الوطني. ولا بد من تحفيز القطاع الخاص للقيام بدوره ومسؤولياته في هذه الاستراتيجية الوطنية، بما يترتب على ذلك من سن تشريعات جديدة تضمن توسعة الاقتصاد ونموه وتشجيع القطاع الخاص لخلق فرص عمل جديدة ودائمة مع عدم قدرة القطاع العام على توفير الوظائف المطلوبة، خصوصاً ونحن نرى التزاحم على التعيينات التي تعلنها وزارات ومرافق الحكومة.
ثانيا : التركيز على الاستثمار القادر على توفير فرص العمل الدائمة، وإعطائه الأولوية من خلال الحوافز والإعفاءات على أي استثمار آخر.

ثالثا : السماح لبنوك مختصة في تمويلِ المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر. ودعم رواد الأعمال وتحويل أفكارهم إلى شركات مربحة .

رابعا: الاستفادة من المنصات العالمية للتمويل والاستثمار الجماعي، والتي تغطي فجوة في التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وهناك العديد من هذه المنصات أذكر منها هنا على سبيل المثال فقط WeFunder و kickstarter و Eureeca
 
خامسا : مراجعة النموذج الاقتصادي الجبائي السائد حيث لا يجوز الاستمرار بالتركيز على "التقشف والجباية" مع آثارها المدمرة على المشاريع وفرص العمل.

سادسا:  توفير حزمة من الأطر التمويلية والحوافز الضريبية التي تشجع على إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في جميع المحافظات .

سابعا : قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في العراق لديه القدرة على تخفيف نسبة البطالة والاستفادة من رأس المال البشري خاصة مع وجود حوالي اكثر من 1000 الف خريج اتصالات وتكنولوجيا المعلومات سنويا .

ثامنا : قطاع النقل يجب أن يأخذ دوره المطلوب، وأن يشهد قفزة نوعية تتمثل في إقامة شبكة قطارات للركاب أو حافلات تليق بالعراقيين لتربط المحافظات بحيث يتمكن شبابنا من أبناء المحافظات من العمل في بغداد أو أماكن أخرى دون أن يغيروا مكان إقامتهم الأمر الذي سيبقي الناس في محافظاتهم وسيؤدي إلى خدمة جهود تنمية المحافظات وتوسعة اقتصادها، وعدم تفريغ المحافظات من طاقاتها الشبابية. 
تاسعا : إعفاء الشاب أو الشابة عند بلوغهما سن 22، من رسوم البيع والشراء لمرة واحدة، وذلك عند شراء أول دار سكن او سيارة .
 
عاشرا : إعفاء المشاريع الجديدة لبناء الفنادق 3 و4 نجوم من الرسوم حيث أن هذه الفنادق ستستقطب السياح الباحثين عن البدائل وستنمي السياحة الداخلية. وستنعكس على شكل فرص عمل دائمة للشباب.

. احدى عشر : تقديم اعفاءات ضريبية لأي شركة توظف شاب أو شابة من عائلات فيها فردين او اكثر عاطلين عن العمل

اثنا عشر : تخفيض الضريبة على الدخل المتأتي للبنوك من جراء تقديمها تسهيلات للقطاعات المنتجة لفرص العمل في الشركات الصغيرة والمتوسطة وجهات التمويل المتناهية الصغر.
. ثلاثة عشر : أنشاء "قرض ريادة الأعمال" على أن يتم تقديمه بسعر فائدة مخفضة
 
خدمة العلم /

ضرورة العودة إلى نظام خدمة العلم وبأسلوب جديد، لتوجيه الطاقات الشابة نحو قيم الخير والعطاء والاندماج بالمجتمع. بالإضافة إلى كل ما يمكن أن يكتسبه أبناؤنا الشباب من أخلاقيات المؤسسة العسكرية ومبادئها الراقية ومن ثقافة وطنية وتأهيل وإعداد معنوي، خلال الثلاثة شهور التدريبية الميدانية
ووضع خطة متكاملة بالتنسيق مع القطاعين العام والخاص لاستكمال خدمة العلم مدنيا وبإشراف القوات المسلحة، من خلال توفير فرص عمل للشباب لأشهر محددة، بعد إتمام فترة التدريب الميداني، ليكتسبوا خبرة عملية بروح انضباطية عسكرية، تحقق فرصة مهمة لمتابعة العمل الكريم في كل مجالات الإنتاج والعطاء.
 
إصلاح التعليم العالي/
ضرورة تصحيح مسار وسياسات التعليم العالي في العراق، مع إعادة الاعتبار للتعليم المتوسط والمهني
وكذلك وضع خطة وطنية واضحة المعالم، وبإطار زمني وعملي محدد للتعامل مع التحديات التي تواجه قطاع التعليم، والموارد البشرية ككل.وضرورة رفع وتحسين المستوى المعيشي للاستاذ الجامعي وزيادة الحوافز والامتيازات المرتبطة بالأداء.
وايضا الاستثمار بالبحث والتطوير، وربط البحث العلمي بعملية التحديث والقطاعات ذات العلاقة بشكل مؤسسي مستدام.
وينبغي بناء سياسات تعليمية يقوم عليها خبراء ومختصون أكاديميون وسياسيون واقتصاديون، تحدد آلية المواءمة بين مخرجات العملية التعليمية واحتياجات سوق العمل ومستقبل التخصصات. وضرورة اعادة تعريف دور الجامعة في التنمية وفي التفاعل ودمج فئات المجتمع ورفع جودة التعليم العالي وتنافسية الجامعات بين بعضها ومع الجامعات غير العراقية واستعادة الدور التنموي
والتنويري للجامعات القائمة لتعزيز التنمية الشاملة المستدامة وتجديد النخب السياسية والثقافية الابداعية في العراق.
المدارس /

. اولا: التوسع في إدخال مفاهيم وادوات التفكير العلمي و النقدي في المناهج المدرسية
. ثانيا : التوسع في العمل التطوعي لطلبة المدارس
ثالثا : تحسين البنية التحتية للمدارس الحكومية، وتأهيل مختبراتها وقاعاتها ومكتباتها وملاحقها عامة، وتزويدها بأحدث الأدوات، وخصوصا المدارس في المحافظات.
رابعا: تفعيل دور المدرسة في محيطها وفي المجتمع، وخلال العطل الصيفية الطويلة، واستعادة الدور الاجتماعي والمعرفي القيادي للمدرسة والمدرس.