الظلام

 

 ” كل ليلة بعد منتصفها أنهض على أنين البرد الذي يمخر عظامي ويحيل سهادي الى جحيم من بردٍ لايطاق. أتململ في فراشي مبهوراً لهذا الظلام الذي يحيط بي من كل الجهات. بأنامل مرتعشة وحشرجاتٍ في صدري تشبه حشرجات ألأطفال هناك عند الروابي البعيدة وهم يفترشون الثلج بلا رحمة- أبحثُ عن قداحةٍ شارفت على ألأنتهاء كأنتهاء آمالنا وأحلامنا كل سنوات العمر. أوقدها بوجلٍ وخشوعٍ وقلقٍ من ظلامٍ قد يطول كل ساعات الليل المتبقية . الواحدة والنصف بعد منتصف الليل هي الساعة التي إعتدتُ للنهوض فيها من فراشي المبعثر بلا تنظيم بلا ترتيب بلا حرارة ِ جسدٍ قربي ينير لي بقايا ثورةِ جسدٍ لعشق وحبٍ وجنسٍ لم يعد له وجود سوى ذكرياتٍ وآهاتٍ عند منعطفاتِ الحب البعيد يوماً ما في طرقاتِ المدينةِ في الثمانينات. أوقدها وأظل أنظر الى رجفاتِ شعلتها مع لفحات الهواء القليلة التي تمر من ثقوبٍ صغيرة في جدران الغرفة الكئيبة ..أراقب رقصاتها غير المنتظمة وأنا أكاد أحترق مع لهيبها الصغير. سينبثق الفجر بعد قليل ولن أستطع قراءة كلمة واحدة من مقالات ألأدباء والكتاّب المتسابقين لنشر مواضيعهم في موقع – كتابات- . عن أي شيء سأكتب هذا اليوم , وهذا الظلام المرعب المحيط بي من كل محيطات النفس التواقة لأي شيء يخرجني من هذه الوحدة وهذه العزلة وهذا الضياع؟ العمر يتقدم كصاروخٍ لايكاد يذوب في الفضاء قبل أن ينفجر لتدمير الهدف المنطلق ناحيتهِ. سنوات طويلة مرت ونحنُ نسبح في هذا الظلام كل ليلة . كل هذه المليارات المتدفقة من حقول النفط العملاقة ولم يستطع أحد من الحكومات السابقة واللاحقة أن يضيء لي غرقة قذرة كهذه الغرفة التي أعيش فيها منذ سنوات وسنوات. أنا لم أطلب من رئاسة الوزراء التي حكمتني ثمانيِ سنوات أن تبني لي قصراً على ضفاف الفرات حيث أصدقائي هناك لم أطلب من رئاسة الوزراء التي وضعتني في أتونِ خوفٍ لاينتهي ثمانيِ سنوات أن تضيف الى راتبي التقاعدي – البخس- حفنة أخرى من الدولارات كي أستطيع أن أهيم في المنتزهات والحدائق العامة أبحث عن حبٍ جديد أو طفلة تائهة تبحث عن مغامرة كانت قد سمعت عنها في قصةِ غرام مرمية عند مكتبات باب المعظم التي يغطيها التراب . لم أطلب من رئاسة الوزراء الجديدة التي شمرت عن ساعديها لأزالة كل أنواع الفساد في تصريحاتٍ نارية لازلنا نلهث خلف تعابيرها القوية ..ننتظر مع بقية البؤساء أمثالي كي تتحقق ونتنفس الصعداء كما يقول ألأدباء. لم أطلب أي شيء من كل مجاميع الحشد الشعبي كي تعيد لي أي حقٍ من حقوقٍ مهدورة طيلة سنوات العمر كله. لم أطلب إلا مصباحاً صغيراً يُضي غرفتي البسيطة طيلة ساعات الليل والنهار. هل هذا صعبٌ ؟ هل هذا مستحيل في أزمنة الميزانيات ألأنفجارية وأزمنة التقشف المفتعل لبلد تفور في بحيراتِ نفطٍ لاتنتهي مادامت هناك حياة. حينما أغور في مقالات الكُتّاب وتحليلاتهم عن ألأقتصاد وثورات الفساد وعن بنوك ومصارف العراق الحكومية وألأهلية ينتابني رعب وخوف وقلق لايزول إلا بأرتشاف سيكارة قذرة تضيف قذارة أخرى الى قذارات البلاد المنتشرة في كل مكان. أيقنتُ نعم اليقين أن بلدي مصابٌ بمرض عضال لن يزول مهما جاءت أحزابٌ وأحزاب علمانية أو دينية أو أشتراكية أو تنتمي الى أي أصلٍ من اصول المجتمعات البشرية منذ أن دبت الحياة على كوكب ألأرض. قامت الدنيا ولم تقعد على مقتلِ حفنة من البشر سخروا انفسهم للأستهزاء بأشياءٍ كثيرة وتطاولوا حتى على مخلوق بشري نقدسه – نبينا العظيم- ونحن نموت هنا كل يوم آلاف المرات ولا أحد ينظر الينا أو يذكرنا في برامجة ألأذاعية. أي نفاقٍ هذا الذي يعيشه العالم؟ لازالت أكتب بشق ألأنفس على ضوء الشمعةِ الصغيرة وأحلم أن غرفتي القذرة ستضيئ بعد لحظات ولكن دون جدوى…متى ينبثق الفجر كي أنهي هذه الكلمات التي لاتمثل أي شيء سوى هلوسات ومعاناة وأحتراق مرير لنفسٍ لم يعد لها وجود سوى تمنيات أن تعود الكهرباء يوما ما ونعيش كما يعيش البشر في اليابان وننسى ظلم السلطان ….أليس الصبح بقريب؟؟