أنا والحزب الشيوعي 4

 

  الثقافة عند الشيوعيين لا تعني فقط القراءة،هي تغني الشخصية الواعية المتوازنة سياسيا واجتماعيا ونفسيا! لذا نرى الكثير من المثقفين الذين يقضون اعمارهم بالقراءة لكنهم لا يملكون التوازن المطلوب في سلوكهم وتصرفاتهم ومواقفهم ! بل ان الثقافة التي يكتسبها البعض من كثرة القراءة قد تكون وبالا عليهم لأنهم لا يعرفون توظيفها كما يجب ، وتتضخم عندهم الانا، ويختلط لديهم الخيال مع الواقع ،ويغيب عن بالهم في الاوقات الحرجة أستحضار خزينهم الثقافي فيتصرفون كألاطفال او بالاحرى كالحمقى ،وعندها تستغرب لما وصلوا اليه من نفس متحطمة منغمسة اما بالادمان على الكحول والمخدرات او الانغماس بالجنس كتعويض عن الفراغ الذي يحسون به، لأنهم يملكون طاقات ثقافية وفكرية لم يستطيعوا الاستفادة منها، لذا ما فائدة الثقافة اذا لم تحصن صاحبها من الوقوع في الاخطاء ؟ هل لكي نتباهى امام الاخرين باقتناء الكتب ورصها على الرفوف في المكتبات؟ او لكي يقول عنا الآخرون بأننا مثقفون؟ كان لينين يشخص هؤلاء المثقفين خارج الحزب الثوري بانهم يتصفون (بالرخاوة والبرجوازية) ، الشيوعيون كانوا يرون في الثقافة موقف وليس تراكما معرفيا وذاكرة لخزن الاسماء والمعلومات ،هي الموقف المناسب في الاوقات العصيبة ،موقف ضد اغراء المال أو المنصب او النفوذ ،موقف ضد النزوات والرغبات العاطفية والاجتماعية،هي موقف من الحياة! لذلك كان هناك مصطلح (المثقف العضوي) الذي صاغه المفكر الايطالي (أنطونيو غرامشي) والذي يعده البعض (لينين) أوربا الغربية! يرى غرامشي بأن المثقف ليس من يرتاد المقاهي او البارات والنوادي ليرطن بالمصطلحات الاجنبية ،ويلخص الراويات والقصص التي قرأها او يتفلسف بمفاهيم فكرية غامضة ،ثم يعود راضيا عن نفسه لأنه كان الافضل بين الجالسين في ذلك المكان لغزارة المعلومات التي يملكها! المثقف العضوي هو الداعية ،ينزل الى الشوارع ويدخل الى بيوت الفقراء لتوعيتهم وتنويرهم بمفاهيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية لمعرفة حقوقهم وكيفية انتزاعها من الانظمة غير الديمقراطية! وهذا المثقف العضوي عند غرامشي لا بد ان يكون شيوعيا حتى يستطيع ان يؤدي وظيفته كمثقف !ومن هنا انطلقت القناعات النظرية للشيوعية في العالم والعراق. لكن القناعات النظرية لا تتولد الا من نجاحات تحققها التجارب الميدانية لتكون نموذجا قابلا للتعميم ، والنموذج القابل للتعميم لا يكون ذلك بالتقليد الاعمى او التبعية او الاستنساخ او فرض الوصاية بحجة النصيحة ، واحيانا نقل التجارب من دون توفر التكيف المحلي للواقع يشكل خطأ يؤدي الى الفشل وصعوبة النجاح، تجربة لينين في ثورة اكتوبر وما مرت به من صعوبات وصراعات فرضت على الحزب الشيوعي ان يتخذ مجموعة من الاجراءات التي تعد بمثابة قوانين لمرحلة استثنائية (طوارئ) هذه المرحلة اصبحت تدرس وتم التأثر بها ليس فقط من جانب الاحزاب الشيوعية بل من جانب الحكام العرب القوميين غير الشيوعيين او حتى المعادين للشيوعية (جمال عبد الناصر-حزب البعث – القذافي – النميري) وكان هؤلاء الحكام يرددون (انتم لا تعرفون نحن نعرف) وكان بعضهم يرد على الشيوعيين بالاجراءات التي اتخذها لينين بعد الثورة ،وقد يكون في هذا احد اسباب حل الحزب الشيوعي المصري وذوبانه داخل الاتحاد الاشتراكي ،وكاد الحزب الشيوعي العراقي في زمن عبد الرحمن عارف يذوب ايضا في تنظيم اشتراكي تقوده السلطة بحجة ان الشيوعية واهدافها يمكن ان تتحقق من خلال احزاب اشتراكية وليس شرطا ان يتسلم الحزب الشيوعي السلطة ،وثبت فيما بعد بأن حتى لو تسلم الحزب الشيوعي السلطة كما حدث في اكثر من بلد فهو غير قادر على تحقيق الشيوعية في تلك المجتمعات بل ان اكثر هذه الاحزاب تحولت الى سلطة دكتاتورية وحكم شمولي غير ديمقراطي!  كان عليّ ان امارس ثقافتي العضوية على تلك الفتاة التي احبتني ،فكل ما اتعلمه من الحزب او أقرأه في الكتب، لا بد من ان اعيده بتصرف على اذان تلك الفتاة البسيطة التي احيانا تمل من كلامي الغامض فتقول (دوختني،هذا شلون حب) نضحك، ونغير الموجه على كلام الغزل، لكنها احيانا تسأل اسئلة ذكية تجعلني احتار في الاجابة عليها من دون الرجوع الى المسؤول الحزبي (شنو علاقاتكم باليهود)؟ (والروس الموسكوفي صدك  تقلدونهم)؟ (وهل تؤمنون بالله)؟!!!