الاعتراف والاعتذار .. الاستاذ الدكتور علاء بشير

 

بعد ٢٤ ساعة فقط من التحاقه بعمله الجديد اتصل بي زميلي الجراح م.ك وقال انه تم نقله الى مستشفى اخر في مدينة اخرى . حينها كنت طبيبا اعمل في مستشفى في مدينة اكستر البريطانية العام ١٩٦٩ولست بعيدا عن مكان عمل زميلي هذا .لماذا؟ سألته . 
قال بالامس التحقت بعملي الجديد وطلب مني الذهاب الى صالة العمليات حيث كان استاذي الجديد يجري عملياته . دخلت صالة العمليات وطلب هو منى إلقاء نظره على أشعة المريضة التي كان يجري لها عمليه على مفصل ركبتها اليسرى . غضب أشد الغضب عندما تأكد انه اخطا اذ كانت المشكلة في مفصل الركبة اليمنى. غلق الجرح واجرى العملية الضرورية في مفصل الركبة اليمنى . لازال الغضب يتطاير من عينيه والسخط يلون وجهه عندما غادرنا صالة العمليات عند الغروب. قلت له سيدي ما عليك سادبر الامر عندما تستعيد المريضة وعيها كاملا . ليلا زرتها وأخبرتنا كم هي محظوظه اذ اكتشف الاستاذ ورم في ركبتك اليسرى وقرر ازالته وقد جنبك اجراء عمليه اخرى مستقبلا . ملأ السرور وجها ونفسها وباتت سعيدة. في صباح هذا اليوم وقفت مع استاذي بجنب سرير المريضة التي أخبرته عن حديثي معها وفرحها بما عمله هو لها. شكرته المريضه كثيرا لمساعدتها تجنب عمليه اخرى وكررت امتنانها وهو في صمت عميق . في فرصة الاستراحة قال لي انه غير مرتاح لطريقة علاجنا للخطأ الذي قام به وانه يشعر انه خدعها . قلت له سيدي ما ينفع قول الحقيقيه هنا ونحن عاجزون ان نعيد ما كان . أومأ براسه موافقا لكنه ما كان قادرًا اخفاء عدم رضاه وحزنه الذي غزى ملامحه . كرر ما قاله مرات ثم وقف وقال تعال معي . وقفنا بجنب سرير المريضه وقال لها بصوت الواثق الواضح أنا جئت إليك معترفا اني اخطأت وإني إليك اعتذر وشرح لها بالتفصيل ما حدث وذكر اني أردت مساعدته بالقصة التي لفقتها . وقال لها انت الان لك الحق في مقاضاتي وأخذ حقك مني. غضبت المريضة وحزنت وبكت ثم هدأت وقالت لكني متأكده انك ما كنت متقصدا ايذائي فأنا أعذرك واطلب منك ان تعدني الا تكرر ما فعلت مع اخرين . وعدها ورجعنا الى غرفته وقد غمره سرور عظيم وفرح يصعب إخفاءه . قال لي انه سعيد جدا وقد تخلص من هم كبير كان يحفر عميقا في وجدانه. نظر الي وقال مشكلتي الان هو انت ، فأنا لن أعد اثق بك بعد اليوم لأنك كذبت رغم علمي بنيتك مساعدتي . انت لن تكون في فريق عملي بعد اليوم لكني أساعدك بايجاد عمل لك في مستشفى اخر وقد فعل ،قال لي مودعا عدني الا تخون أمانة من وثق بك أبدا. 
سألت في احدى المرات المرحوم علي الوردي ان ما يجعل الضمير مريضا هل الوراثه ام تشوهات الولاده ام الذاكرة الجمعية ، قال يتفق الجميع ان للتربية تأثيرا كبيرا على صحة وتقويم الضمير.