كمفهوم وتعريف واضح وبسيط مختصر للديمقراطية أنها حكم الشعب لنفسه أي إن يختار الشعب قادته في كل المجالات من بين أبنائه وأهمها ما كان في الجانب السياسي وقيادة أجهزة الدولة التنفيذية كواحد من مفاصل الدولة الحيوية التي تهتم بالدرجة الأولى من واجباتها في حماية امن المجتمع بنفس طريقة تأمين امن أجهزة نظام الحكم بل واشد كما تهتم في تنفذ الإرادة الشعبية من خلال التواصل مع الشعب ومعرفة توجهاته والوقوف على حاجته وتلبية مصالحه الحياتية اليومية والقضاء على كل العوامل التي تناقض أو تتعارض مع تلك المصالح وهذا شيء مما اقره الدستور العراقي في أساسياته ما بعد عام 2003 رغم انه يضم بين ثناياه ما يناقض ذلك أو يعجز في قسم من فقراته عن معالجة بعض مشاكل المواطن وقد أعلن السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي في أكثر من مناسبة إن مجسات الدولة تستشعر ما يريده الشعب من خلال التظاهرات التي تنطلق بين الحين والآخر ونضيف إليها ما تطرحه الشريحة المثقفة والنخب الواعية من الكتاب والأدباء وكثير من وأصحاب الرأي الهادف البناء وتعتبرها كجرس إنذار وتنبيه لتتمكن من معالجتها وسد الثغرات التي تستجد كنتيجة حتمية للتطور والنمو الحاصل في حياة المواطن خصوصا وان العراق يعيش حالة جديدة في الحكم الديمقراطي. ربما ينفرد فيها عن دول الإقليم ناهيك عن كثير من دول العالم ولكي نستطيع استيعاب الحالة والوقوف على مدى نجاحها لابد لنا من مراجعة تاريخية بسيطة وسريعة نستذكر من خلالها في سنوات غير بعيدة بعض الأسس التي قامت عليها الحكومات السابقة ودور التأثير الخارجي فيها , فلا يخفى على احد إن البلاد العربية بكل دولها هي جزء من موروث الدولة العثمانية التي انهارت ولم يبقى منها إلا تركيا بحدودها الحالية وتقاسمت دول الاحتلال الأوربية التي كانت تتزعمها بريطانيا وفرنسا آنذاك وتليها الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على البلدان العربية وعملت كل دولة احتلال بما تراه يضمن مصالحها ضمن سقف الأطر العامة في القسم الذي وقع تحت سيطرتها وكان لاتفاقية سايكس - بييكو السيئة الصيت التي نعيش هذه الأيام ذكراها المؤوية دورها في ترسيخ الاحتلال وان أهم نتاج لذلك هو إعلان صيغة جديدة له أسموها بالانتداب كمرحلة في ظاهرها تمهد للاستقلال الوطني مارسوها فقط في الناتج الثاني للاحتلال وهو تقسيم البلاد العربية إلى كيانات ميزوها بما كانوا هم يرنوه مناسبا لاحتلالهم وان أهم ما يمكن ملاحظته على الانتداب انه مورس على البلاد العربية فقط وانه لم يشمل تركيا التي سقطت دولتها ولا إيران التي احتلت لاحقا ولا أواسط آسيا كالهند أو الصين أو اليابان ولا الأراضي المنخفضة الأوربية التي كانت جزء من الدولة العثمانية ولم يمارس أيضا مع كل الدول التي خسرت الحروب واحتلت أراضيها ما بين الحربيين الكونيتين أو بعدها فقد منحتها استقلالها بعد أن سنت دساتير وشرعت قوانين وشكلت حكومات خدمت شعوبها وطورتها بفترات قياسية أي بمعنى آخر إن الانتداب كان ممارسة فصلوها وحاكوها للدول العربية فقط ومعناه إن لها في ذلك غايات تخدمها ولا تعير اهتماما لنا كبشر له تاريخ مشرف ومشرق خلقنا في هذه الأرض استمرت لحد هذا اليوم ولنا أن نتساءل لماذا الانتداب ؟؟؟ وفي الإجابة الواعية سنستوعب كثيرا مما يوضح ما يحصل لنا في هذا الوقت لسنا في مجال بحثه الان. وبالعودة إلى عنوان الموضوع ولا نحاول الابتعاد عنه كثيرا فان ما يهمنا هنا أنها أي دول الاحتلال وبعد الضغط الشعبي أنهت انتدابها وشكلت أنظمة حكم منها ملكية ومنها جمهورية تحت عناوين ديمقراطية وانتخابات ومجالس نيابية هي في حقيقتها حكمت لصالح دول الاحتلال وبالنيابة عنها ولا زالت إلى يومنا هذا وبدرجات ولاء مختلفة وان حصلت بعض المواقف التي خرجت عن هذا السياق وحتى بعد ما سميناه الربيع العربي مطلع الألفية الحالية فان إدارة نتائج حركاته الشعبية أوكلت إلى من كانت تحتله من دول الحلف الأطلسي في مطلع القرن العشرين وان كانت الآن تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية ففرنسا هي من تدير الأمور في تونس وتراقب وضع سوريا وايطاليا هي من تدير الأمور في ليبيا وهكذا مع باقي البلدان العربية مع تعديلات بسيطة في السيناريو الحالي ويبقى الضحية الأولى والأخيرة هي شعوب المنطقة. إن ديمقراطيتها تلك التي خلفت الانتداب أنتجت حكومات استطاعت التشبث بالحكم بأساليب شتى ظواهرها ديمقراطية رسخت فينا مفاهيم كالقائد الضرورة والقائد التاريخي والقائد الملهم والقائد الهمام والقائد الأوحد وما شاكل كلها تعمل على توريث الحكم وترسيخ حكم العائلة أو الحزب الواحد ويجري التغير الديمقراطي بين الإفراد
في المواقع ضمن نفس الهيكلية وتعمل الأجهزة الأمنية بمختلف صورها وواجهاتها وعناوينها على تغييب أو إبعاد كل من يعارض هذا بمختلف الوسائل وطبعا لا يوجد وجه يمكن من خلاله المقارنة بين طريقة تداول وانتقال السلطة في الغرب وما يجري في بلداننا فهم لم يطبقوا قوانينهم على أنظمة الحكم في دولنا حتى مع التجربة العراقية الحديثة على خصوصيتها وهو دليل آخر لخبث نواياهم ومن الطريف أن نتذكر إن الرئيس الليبي الراحل معمر ألقذافي قد قال في العلن في احد مؤتمرات القمة العربية السابقة مخاطبا القادة إن كل من يتربع على كرسي الحكم بما فيهم المتحدث لم يصل إلى كرسيه إلا من خلال السلم والإرادة الأمريكية وإنها بمقدورها تبديله ببساطة إذا أرادت ذلك وهذا ما حصل فعلا في الربيع العربي فقد ذهبت الدماء التي سالت هباء منثورا وتبدل ثوب القائد وصورته وبقي مضمونه وطريقته في الحكم وعادت الممارسات السابقة نفسها بل واشد منها في ترسيخ ظاهرة الانتقام من أدوات الأنظمة السابقة دون تميز بين الغث والسمين كوسيلة غاية في الخطورة واخطر منها إن دول الاحتلال صنعت عصابات الإرهاب المنظم وبإمكانيات دولية فائقة لإضعاف الحكومات الجديدة التي نصبتها واستنزاف خيرات شعوب المنطقة وإفقارها ومنعها من مواكبة حركة التطور الحضاري العالمية وانظر كيف نعاني نحن في العراق شعبا وحكومة من عصابات داعش الإرهابية ولا ننفرد نحن بهذا فهناك سوريا واليمن ومصر وليبيا وغيرنا مع اختلاف بسيط في الوسائل وبتدقيق النظر في هذا ندرك إن دول الاحتلال رغم ظاهرها الإنساني الذي تتظاهر به إلا أنها تخفي وجها غاية في القبح . إن ظاهرة داعش وأخواتها وما شاكلها لها وجه آخر يخدم الحكومات الجديدة ويزودها بمبررات البطش والتسلط لحماية امن ديمقراطياتها انه يمنحها الفرصة المناسبة لخلط الأوراق وتنمية التناحر بين أبناء الشعب الواحد وتعزيز الحس والتنافر الطائفي والمذهبي وضرب التطرف والإرهاب من جانب ومن جانب آخر يسمح للحكومة في إنشاء المزيد من أجهزة الحماية الأمنية وتداخل واجباتها فالجيش الذي تتمحور أهم واجباته الأساسية في حماية الحدود أصبحت دباباته تتجول في شوارع المدن تضرب من أبناء الشعب من يخالف وأجهزة الدولة الأمنية فرخت دوائر إضافية بعناوين جديدة تلاحق كل صوت يتقاطع مع سياسة الحاكم وشرعت لذلك مواد قانونية توازي أو ربما اشد من الخيانة الوطنية العظمى بينما تهمل وتشرعن التخابر والولاء للاجني لا بل أهملت حساب من يرتشي أو يسرق المال العام. ربنا نور بصر وبصيرة شعبنا وألطف به بالحماية والأمن والأمان وعبث الشياطين برحمتك يا رب العالمين.
|