البعث محظور في العراق معشوق بسوريا

قبل نحو خمسٍ وثلاثين سنة أطلق الخميني قولته الفتوى بتكفير حزب البعث الذي كان يقود الدولة العراقية ، وفي نفس الوقت واصل علاقته الحميمة والممتعة مع البعث الذي كان يقود الحكم في سوريا ، إذ كانت طلقات الأسد القوميّ متحدة مع طلقات الخميني ضد العراق العربي المسلم . أول البارحة صوّت برلمان سليم الجبوري على قانون حظر البعث في العراق ، بموافقة وحماس من أبناء إيران وأمريكا الذين يحكمون بغداد الآن . قبل ذلك أصرّت الوغدة المتوحشة أمريكا والشاذ بريمر على وضع حظر واجتثاث البعث كمادة مقدسة في الدستور ، الذي طبخه أبو ناجي وأحبار اليهود غير المعلنين ، وبموافقة ومباركة من المنغلة التي استوت على عرش البلاد وركبت مثل صخرة ناتئة على قلوب الفقراء والمعذبين . وبمناسبة حديث الحظر والإجتثاث والمساءلة ، أقترح على برلمان المحمية الأمريكية الإيرانية الخضراء ، التصويت فوراً على حظر حزب الدعوة ومجلس عمار والحزب الإسلامي ، وكل الأحزاب والتيارات والتنظيمات الدينية الدجالة القاتلة الحرامية الكافرة ، التي فرّخت بعد سنة ألفين وثلاثة ، لأنها كانت السبب الرئيسي بإنتاج أفسد وأفشل دولة حرامية وخائنين على وجه الأرض ، وبلاداً مريضة ومفككة ومنقسمة بالكراهية وفقدان الأمل .

2

أليوم هو الثاني من آب ، وقبل ستٍ وعشرين سنة كان الرئيس الراحل صدام حسين قد سحل العراق القويّ الكريم المتطور ، وسار به صوب مطمسة الكويت الملعونة ، ومن تلك الفجرية المجنونة الثولاء ، تمّ وضع طابوقة الأساس لموت البلاد كلها . البعثيون الذين لم تتبدل طرائق تفكيرهم وشغلهم ، ظلوا يلوكون الحكاية المضحكة التي تقول إنّ أمريكا كانت ستحتل العراق حتى لو لم يحتل العراق الكويت . طبعاً أمريكا الذكية والمتوحشة في آنٍ ، لن تحارب أو تغزو دولةً الّا إذا تيقنت من مرض وضعف وتخلف تلك البلاد ، والعراق يومها كان قوياً عزيزاً مدرعاً بأسلحة ردع مؤثرة وفعالة ، قبل أن يعلن عنها الرئيس في التلفزيون ويضعها في حلق المدفع الأمريكي الإسرائيلي . كانت قراءة غبية وعصبية ومستعجلة ومتخلفة ، أنتجت كلّ هذا الخراب الذي تعيشه الآن بلاد ما بين القهرين العظيمين . حدث الأمر بغتةً . لا تثقيف ولا تحشيد لفكرة عراقية الكويت وهي كذلك ، إلّا بيوم اجتياحها وبصوت المذيع الراحل مقداد مراد ، وبنغمة حماسية من حنجرة المطرب الشقندحي فاضل عواد ، ومن ثمّ تناسل المصطلح فانولد عنه يوم النداء والفرع والأصل ، والفتية الذين آمنوا بربهم ، ولم تمض سوى سبعة شهور حتى لطع العراق العظيم ، أمرَّ وأقسى وألعن هزيمةٍ بجلاجل ، وواصل البعثيون والرئيس غفر الله ذنوبهم ، نفس درب العناد الفارغ المنخور ، فأطلقوا على النهاية إسماً فضفاضاً هو أُم المعارك الخالدة ، وكانت النتيجة هذه المصيبة التي نحياها حتى الآن .

كان يمكن للبلد أن يتجنبها وينجو ويكبر ويعمر ، لكن سوء القراءة والأمية التي لا تعرف انّ السياسة هي فن الممكن ، وإنّ التكتيك هنا واجب وذكاء وليس خيانة مبدأ .