أشتاق لبيروت.. أهيم وجدا بعاصمة جمال الكون

 

تأتلق ذكرياتي عن "بيروت" حين أتوجه إليها ملهوفا، وحين أقيم فيها وحين أغادرها على مضض! فهي.. جمال يطهر الروح من ترسبات العالم.. إلهة الجمال الفينيقية، نظيرة عشتار ورديفتها في أسرار العشق البابلي.

سحر بيروت يأسرني حنينا إليها.. برغم إتجاهي صوب أوربا والغرب، لكن وجداً يهيم يمشاعري نحو بيروت التي لم تفارق أحلامي ولا يقظتي.. أتيه هدى في مغابات الجمال الوارفة؛ لذلك إشتريت شقة فيها عام 2006، إرتشفت من عبقها، رحيق عاصمة جمال الكون.. محجة الحسن وملتقى البراءة والمدى المفتوح للطيبة الانسانية..

لن ينفد قاموس الاطراء في مخيلتي، حين تنثال بيروت مثل ندى الصباح في خاطري.. سواء أكنت ضيفا أحل على كرم أهلها، أم أستحضر ذكرياتي فيها.. وهي ذكريات رائعة مقيمة لا تغادرني، حيثما ذهبت.. أقارن مدن العالم بها.. إنها "إستندر" الحضارة، الإنموذج الامثل للحواضر.. شرقيها وغربيها.. بل هي صلة الشرق بالغرب.

ما زلت ولن أنفك أتردد على بيروت، وكلما وصلت إليها، وجدت عوالم جديدة من جمال مستحدث.. إنها متوالدة الروعة.. يوما فيوم، أستكشف مكامن جمال جديد.. مدينة منفتحة تبوح بأسرارها البريئة.. تحتضن السياح بألق وهاج، من دون كلفة.. تشعر الوافد بالحلول سهلا.. بين أهل مقبلين مثل ملائكة مسومين يدبر الشيطان كسيفا.. عاجزا عن الوسوسة نيلا منهم.  

بيروت.. مدينة تعطي مفتاح براءتها للغرباء بطمأنينة؛ لأنها واثقة من ناسها.. مدينة مأهولة المحبة.ز مسكونة بالتفاؤل، تتناسل السعادة في رحابها.. تقهر الحروب، بدءا من شارع الحمرا وليس إنتهاءً بإطلالتها الشيقة على البحر، فبعد البحر توقد بيروت أصابعها شمعا للعائدين ملهوفي الروح والعقل والقلب إليها.. إنها دورة الزمان، تنبض بين البحر والجبال.

جميلة بيروت، كلما زرتها إكتشفت قصوري على إستكناه عمق همس الحوريات وغزل الملائكة، بين الثلج والأرز والكنائس والشموع وأرصفة الشوارع وجمال الكركرات الإنثوية البهيجة، بساطة فائقة السلام..

شعب طيب المعشر.. يعيش وسط بيئة رائعة صيفا ووديعة شتاءً، لا حر يقسو ولا برد.. ناسهم قريبو الشبه بالعراقيين، ولولا اللهجة لنسيت أنهم لبنانيون.. شيعتهم مثل شيعة العراق وسنتهم كسنته والمسيحيون.. الكاثوليك والآرثوذكس والارمن تنطبق أخلاقهم الرفيعة.. تماما على أخلاق مسيحيي العراق.. فالوان طيف الشعبين متشابهين تماما! لذلك أهيم وجدا ببيروت.

أحن الى كنيسة حريصة، التي تشعرني بأن الله يطل منها على المؤمنين.. عباده من الديانات المنزلة.. اليهودية والمسيحية والاسلام، أو الديانات الوضعية،... وهي كثيرة، فنحن كلنا أبناء رب عظيم.

كنيسة العذراء قرب جونية.. لم اذهب الى لبنان يوما، الا وزرتها، متبركا بالمحبة اليسوعية، مثلما دأبت منذ صباي على زيارة كربلاء.. متهدجا بالبكاء في ضريح أبي عبد الله الحسين، حتى كهولتي الحالية؛ فكلاهما.. الحسين والسيد المسيح.. عليهما السلام، إستشهدا بالطريقة نفسها، منتصران بموتهما،...

بعت الشقة، عندما قطعت الحكومة راتبي، واليوم عدت الى بيروت كي أجدد عهد الولاء لربة الجمال، بشراء شقة أخرى، توثق صلتي بوجداني الذي ينفرط من دون ملك لي في بيروت، اورثه لإبنتي الزهراء وولدي محمد الباقر.. من مالي الحر الحلال، وليس بمال حرام، كما فعل الفاسدون.. سارقو مال الشعب العراقي.

بوركت بيروت محجةً للسلام ومرفأً للأمل والتفاؤل وحب الإنسانية جمعاء.. من القطب الى القطب.