الفلسفة الأمنية الفاشلة وأهون الشرين!

عندما تفرض الظروف أمراً عصيباً مرعباً على شعبٍ ما, يتداعى عقلاء الأمة الى التخطيط بحكمة وعقل للخروج منه بأسرع وقت وبأقل خسائر ممكنة . وعند تدارسنا حال شعبنا ووطننا العراق, نجد إن من غير المعقول أن يبقى أمنُ شعبنا ووطننا مرهونٌ بفلسفةٍ أمنية فاشلة, وتجارب أميين بالأمن الوطني أو سياسيين طارئين على السياسة أو خاضعين لإملاءات خارجية. ومن غير المنطقي أنْ نبقى حقل تجاربٍ لمَن هبَّ ودب ,َولكلِ مدعٍ .فالتحدي الإرهابي خطيرٌ ومستمر بكل صلافة وعنادٍ وجرأة. ومن غير اللائق أن تتحول بغداد مدينة السلام الى خربة تعيث بها فساداً عصابات الخطف والأجرام والأرهاب .بعد أن خربها وعاث بها جلوب وعبعوب . وما شابه.
ففي عيد الفطر المبارك كانت مجزرة الكرادة . وفي عيد الأضحى المبارك أرسل الأرهاب رسالةَ تحدٍ أخرى. ففجر في الكرادة أيضاً وعزز تحديه الأمني بتفجير مول النخيل في شارع فلسطين .وكل هذه دلائل على فشل فلسفتنا الأمنية وعجز قواتنا الأمنية عن حفظ أرواح الشعب وممتلكاته وهي رسائل قوية من الأرهاب الداعشي لنا ليشعرونا بضعفنا وعجزنا .
نعم أجهدت السلطات نفسها لتأمين الأمن في العاصمة للبغدادين ,كي يتمتعوا بعيدهم.ولكن دون جدوى . فكالعادة إستبق الأرهاب العيد بالتحدي السافر الكبير في الكرادة وفي شارع فلسطين. وليس هناك من جديد أو تحسن أمني ولو بسيط . فالخطط نفسها وكذلك القادة . مجرد غلقٌ وقطعٌ لشوارع بغداد. وكأنَّ السلطات الأمنية تقول للبغداديين إبقوا في منازلكم لا نستطيع حمايتكم.
تمر السنون والأرهاب يضرب ضرباته الموجعة .وبعد كل جريمة إرهابية نتوقع أن تغيير السلطات الأمنية من خططها ووسائلها ,لِتُأمِنَ للعراقيين عاصمتهم .ولكن دون جدوى, فلقد إستفذت الحكومة والسلطات الأمنية كل ما عندها من الوسائل والأمكانيات والخطط والتكتيك ولم تفلح بشيء .
السبب واضح وجلي وهو نقص في الولاء للوطن وفسادٌ وقلة خبرة وفشل الفلسفة الأمنية. الفلسفة التي نشك بعفويتها.
فلا ندري لماذا تحرر قواتنا المسلحة المدن وتترك ما حولها موطناً للأرهاب كما جرى في الأنبار.؟ ولماذا تذهب قواتنا المسلحة لتحرير الموصل وتترك محيط بغداد عاصمتنا الحبية ليستبيحها الأرهاب متى شاء. ويهددها كل ساعة ؟
لا يختلف إثنان إن محيط بغداد حاضنةٌ للأرهاب .ولم تتمكن السلطة لحد الآن من تطهيره من الأرهاب لتأمِنَ بغداد .وقد فشلت فشلاً ذريعاً في تفريغ هذا المحيط من الذئاب المنفردة أو الجماعية او الخلايا النائمة. والأرهاب يحيط بعاصمتنا كما يحيط السوار بالمعصم. والأرهابيون يعرفون مداخله ومخارجة وثناياه وأحراشه . وفيه مَنْ يحتضن الأرهاب ويدعمه. أليس الأجدى أنْ نحرر هذا المحيط ونحمي ظهورنا قبل الذهاب للموصل ؟ وبنفس الوقت نستزف قوى داعش في الموصل بضربات جوية موجعة محكمة. وفق معلومات إستخبارية دقيقة.
ولا تزال سامراء وبلد وجبال حمرين مرتعاً للأرهاب والأرهابيين وكذلك محيط الفلوجة والرمادي وتكريت .وكل هذه مراكز إرهابٍ تهدد بغداد.
فالحقيقة التي يجب أن ننتبه لها إن الفلسفة الأمنية الحالية للسلطة فاشلة بإمتياز. ويجب مراجعتها من قبل خبراء عسكريين وأمننين .ولا بأس من تواجد مستشاريين أمنيين من دول ذات باع بمحاربة الأرهاب. فليس من الصواب أن نذهب لتحرير الموصل ونترك بغداد عاصمة الدولة ورمزها ساحة للأرهاب كل يوم.
لماذا لا تعترف السلطة بعدم مقدرتها وعجزها عن تأمين بغداد؟ .ولماذا لا تقر وتعترف إن ظروف العراق السياسية والعسكرية لا تتيح لها تحرير العراق بالكامل من داعش واعوانها, دون عون دولي مباشر فعال. فالتحدي الأرهابي شرس ومدعوم بقوى إقليمية وربما دولية تمده بالمال والسلاح والتدريب والمعلومات الأستخبارية. والعراق مفتوحةٌ أبوابه للعملاء والجواسيس بقصد وبدون قصد.
الأرهاب هو الشرالأعظم وطلب العون وتدخل الآخرين شرٌّ أهون.ً وهو أهون الشرين . وليس من العيب القول إننا بحاجة ماسة لتدويل قضيتنا الأمنية والأستعانة بقوى دولية ,تحت مظلة مجلس الأمن الدولي وتحت البند السابع.أو الأستعانة
بشركات أمنيةٍ دولية لحفظ أمن بغداد فمستحقاتها المالية أهون بكثير من أموالٍ تهدر دون جدوى والأمن مفقود .وهذا افضل من تخبطٌ أمني عشوائي وأرواح تزهق, ومال وبنى تحتية تُدَّمر.وأهون من إقتصادٍ يتراجعٍ ويتدهور . إن تحقيق الأمن وبسط سلطة الدولة ينعش الأقتصاد ويسرِّع التنمية ويُقلل البطالة .ويُسعِدُ الشعب.
وخلاصة القول .إنَّ من الشجاعة أن نقول ونعترف ونقر بأننا بحاجة لتدخل دولي مع حفظ سيادة العرق وكرامته لأعانتنا لأستعادة الأمن وبحاجة لمستشاريين إقتصاديين لدراسة وضع العراق الأقتصادي ومحققين دوليين للكشف عن الفاسدين والدواعش الذين يلبسون لباس الوطنية بهتاناً وزوراً. وهذا أهون الشرين. ونسأل الله ألا نضطر بعد سنين للقول إننا بحاجة لأنتدابٍ دولي لأننا عاجزون عن إدارة شؤوننا
مللنا من فلسفة أمنية فاشلة ومن قادة سياسيين فاشلين وقادة أمنيين أميين بمفاهيم الأمن ووسائلها الحديثة. فلا داعي لتكرار تجارب فاشلة,.لا نجني منها سوى الكوارث.سيما إننا نسير الى المجهول .