البرلمان 18...سنة واحدة ومهمة خطيرة واحدة

 

مساء الثلاثاء العشرون من هذا الشهر أيلول 2016 ، أسدل الستار على " العرس الديمقراطي " ، في أردن الحشد والرباط ، دون أن يعلم غالبية المترشحين - الذين صرف بعضهم الملايين من الدولارات كمال سياسي أسود ، وإرتكب من المخالفات ما إرتكب ، وأهمها : ممارسة الكذب على الناس بأنه جاء ليغير واقع الحال  ، وهو يعلم علم اليقين ، أنه غير قادر  على إجراء التغيير حتى في بيته – أن عمر البرلمان المقبل  سيكون سنة واحدة على الأكثر ، وأن مهمة واحدة  خطيرة جدا ستكون مناطة به ، ثم يؤتى ببرلمان  جديد غيره ،  يتوافق مع المرحلة الأردنية التي يتم تحضير الأردن لها ، والغريب في الأمر ان الجهات الرسمية حاولت  الإيهام بنجاح العملية الإنتخابية  ، من حيث نسبة المشاركة البالغة 30% علما أن هناك من يجزم أن النسبة  تتراوح ما بين 15- 20% ، بمعنى أن ما يطلق عليه "حزب الكنبة " هو الغالب ، إذ ما ذا يعني وحسب الجهات الرسمية  ، أن يقاطع الإنتخابات  نحو 70% ممن يحق لهم الإقتراع في الأردن؟

هذه المهمة الوحيدة المناطة بالبرلمان المقبل  ، هي تمرير الكونفدرالية بين  ضفتي نهر الأردن ، ولهذا جيء بالإسلاميين للمشاركة فيه ،  حتى يتم  توزيع الدم المهدور على الجميع ، علما أن الإسلاميين كانوا من المقاطعين للإنتخابات الماضية التي  أجريت عام 2013 ، وقد أشعلوا   المنابر والشوارع تأييدا للإنتخابات وضرورة المشاركة فيها ، ولا أدري ما الذي حصل لنرى هذا التبدل السريع والحامي في المواقف ، أما لماذا توصف هذه المهمة بالخطيرة ،  فلأنها تمثل عدوانا صارخا على الشعبين - الشعب الواحد ، لأنها ستلغي هوية الشعب الأردني المكتسبة منذ 100 عام ، وستلغي هوية الشعب الفلسطيني المتجذرة عبر التاريخ ، وذلك لصالح الهوية اليهودية - الصهيوينة  الطارئة على التاريخ والجغرافيا.

وحتى لا نذهب بعيدا ،  ونفسح المجال لمن يتصيدون في الماء العكر ، فإن هذه الإنتخابات أكسبت الأردن الرسمي  ، نقطة قوية ماسية على المستوى الدولي ،  وهي أنه " ينتخب في حين أن الإقليم  من حوله ينتحر وينتحب " - حتى أن مستدمرة إسرائيل  تعاني ما تعانيه من عدم الإستقرار رغم حالة المنطقة ، وقد أثبتت نشميات الكرك " جنوبا" وأشاوسها الرجال الرجال  ، وهم يشيعون الشهيد الشاب العمرو الذي إغتالته الأيدي الصهيوينة الآثمة في القدس قبل يومين أن فلسطين في وجدان كل أردني حر شريف  ، وهذا بطبيعة الحال أمر مزعج لإسرائيل التي تظن واهمة أن الشعب الأردني معها -  وهذا مصدر قوة لصانع القرار السياسي !؟؟ كما أن هذه الإنتخابات قد حرّكت بعض مفاصل الإقتصاد الأردني ،  التي تعاني من الكساد بسبب مجريات الأمور في الإقليم ، مثل قطاع الخيم ومستلزماتها ، وكذلك المطاعم التي تقدم المناسف وسوق الحلال  والحلويات وخاصة الكنافة والبقلاوة والقهوة، وقطاع المطابع والخطاطين والنقل وتوفير فرص عمل مؤقتة للشباب العاطلين عن العمل ، وأهم من هذا وذاك أن الفقراء والمساكين ،  وجدوا من يتفقدهم بالصدقات" الرشاوى " لكسب أصواتهم من خلال المال السياسي الأسود ، ويروى أن أحد المترشحين الذي صرف أكثر من سبعة ملايين دولار على حملته الإنتخابية  ، قد إجتمع مع أئمة المساجد في منطقته التي نزل عليها بالبراشوت في العاصمة عمان ،  وقدم لكل واحد منهم تنكة زيت زيتون رشوة ، ناهيك عن البذخ الذي يمارسه ،  وقيامه بالصرف أيضا على من  تم فرزهم من القوى السياسية اليسارية للتحالف معه في قائمة واحدة ، وقيل أن الهيئة المستقلة للإنتخابات  لم تقدر عليه لنفوذه العابر .

وقبل الغوص في التفاصيل ، فإن أصحاب المال السياسي الذين صرفوا الملايين من الدولارات في بلد فقير ، قد أثبتوا أنهم كالشعراء الذين ورد ذكرهم في كتاب الله "يقولون ما لا يفعلون " ، فلو أنهم صادقين في شعاراتهم ونواياهم  لوفروا ملايينهم التي صرفوها على شراء الأصوات  ، وتقديم الصدقات المشبوهة ونثر صورهم في الشوارع ، ولبادروا فورا إلى بناء المصانع لأبناء الأردن الذين يعانون  من البطالة  ، وبذلك يثبتون صدق شعاراتهم وحبهم للأردن ولقيادته ، أما أن يفعلوا ما فعلوه  ، فإنهم غير صادقين ويجب  محاكمتهم وتوجيه سؤال واحد لهم "من أين لك هذا "؟

 تميزت شعارات غالبية المترشحين بالإفتقار للحلول الواقعية لمشاكل الأردن  المزمنة  وحتى لمشاكل الأمة  ، إذ أن بعضهم على سبيل المثال طالب بتحرير الأندلس ، وهناك من تعهد بمكافحة الفساد  وإجراء التغيير الجذري في السياسة الأردنية ، وبأنه سيحدث إنقلابا جذريا في كافة مناحي الحياة الأردنية  ، وهذه ظاهرة تتكرر عند بداية كل عملية إنتخابية جديدة .

وهناك قضية أخرى  ظهرت في هذا العرس ،  وهي  ظاهرة " الحشوات" في القوائم النسبية ، إذ يتطلب القانون الجديد الذي  تم تطبيقه سابقا في بريطانيا الحزبية ، والآن يطبق في الكونغو كينشاسا  ، تشكيل قائمة نسبية تتكون من عدة مترشحين  يستقطبهم صاحب القائمة ، وربما يدفع لبعضهم مبلغا  من المال للموافقة على التحالف معه ، مقابل  أصوات عشيرته ، وبطبيعة الحال فإن الكثير ممن يشكلون القوائم لا يحالفهم الحظ ،لأن المطلوب فقط 130 برلمانيا والمترشحين نحو 230 مترشحا ، نجد الكثير  منهم من أصحاب الرتب العسكرية والأمنية الذين لا يظهرون إجتماعيا  بحسب طبيعة عملهم ، ومع ذلك يحصلون على نسبة عالية من الأصوات؟؟!! وقد إنفجرت قضية الحشوات قبيل ساعات من بدء العملية الإنتخابية ، لأن الحشوات إكتشفوا أن الجوكر  يطلب من المتحالفين معه على إنفراد ب" صب " أصوات جماعته عليه وليس على القائمة! ومن النوادر التي شاهدناها قيام مترشحة في الكرك جنوبا بتوزيع الورود على الناس على أمل إستمالة الناخبين للتصويت لها .

مخالفات بالجملة وقعت يوم الإقتراع مثل قيام لاجيء سوري بمحاولة الإنتخاب في الرمثا  ، ودخول بعض الناخبين  وهم يحملون أسلحتهم الفردية إلى قاعات الإقتراع ، وتصوير الورقة الإنتخابية وقد تم القبض على هولاء من قبل رجال الأمن ، كما  وضعت بعض  العراقيل أمام 

الناخبين ، مثل منع المراقبين من العمل والطلب منهم إبراز كتب رسمية تخولهم العمل مع انهم يحملون الباجات على صدورهم  ، ولا يوجد بند يتعلق بالكتب الرسمية ، كما تم إغلاق بعض الدفاتر الإنتخابية وخاصة في منطقة بدو الوسط ، والتصويت المتكرر وبيع وشراء الأصوات وإشتداد ذلك في الساعات الأخيرة ، وكذلك الدعاية الإنتخابية داخل مراكز الإقتراع وتكرار التصويت الأمي  وحجب نسب المقترعين وتأخير حضور بعض اللجان ، ووجود صلة قرابة بين بعض أعضاء اللجان والمترشحين في الدائرة ومنع الصحفيين من الدخول والتصوير  وترويج أوراق إقتراع قديمة  وفصل النت ، وجاء في اللحظة الأخيرة من الإنتخابات أنه تم سرقة  ثمانية صناديق إقتراع في دائرة بدو الوسط وملئها بالأوراق الإنتخابية وإعادتها  ، وقد تم إلغاء الإنتخابات في تلك المراكز  ،  والتحضير لإعادة الإنتخاب فيها في حال جرى تامينها ، ويتوقع إعلان النتائج يوم الخميس المقبل  ، ليشهد يوم الجمعة الذي يليه  مشهدا منسفيا وكنافيا لم  يشهد له  الأردن مثيلا.