هل نحن مؤهلون للدولة المدنية

 

صحيح أن الحديث عن الدولة المدنية في الأردن،إنبثق بتسارع رهيب عن الورقة النقاشية السادسة،التي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني قبل أيام،وهي بمثابة إرادة ملكية سامية واجبة التنفيذ بالصفة الإستعجالية،وقد طبل لها الكثيرون وزمروا إعتلاء للموجة ولكل هدفه الذي يبتغيه من وراء ذلك،ونتمنى لو أننا فعلا أنجزنا الدولة المدنية التي نريد،لنريح في حياتنا ونرتاح،فنحن نستحق حياة أفضل من واقعنا الذي نعيش.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة:هل سألنا أنفسنا سؤالا محددا وهو:هل نحن مؤهلون ومستعدون فعلا للدولة المدنية الحقيقية وتطبيقاتها وتداعياتها ؟ وفي حال التفكير في هذاالسؤال وخوض الباحثين والمعنيين فيه،وإمتلاك الجرأة لنشر المخرجات اللازمة على الملأ،يصبح الحديث عن الدولة المدنية ذي معنى،ويستحق التوقف عند كل مفردة من مفرداته،أما أن يكتب البعض لمجرد الرغبة في الكتابة أو للفت الأنظار لعل وعسى ، فإننا لن نتقدم في هذا المجال قيد أنملة.

الدولة المدنية هي الحل لما نحن فيه من مشاكل،فنحن نفتقر للعدالة بمعناها الحقيقي، وللرفاه،علما أن الله حبانا بثروات في باطن الأرض لا تعد ولا تحصى،ولكننا ولأسباب نعرفها ونجهلها معا،لم نستخرج شيئا من النفط أو الغاز أو الذهب أو اليورانيوم أو البلوتونيوم أو أو أو..إلخ ، وآثرنا ربما غصبا عنا أن نعيش على فتات المجتمع الدولي ،ونراكم علينا الديون مع فوائدها، وما يندى له الجبين أننا وقعنا مؤخرا إتفاقية لإستيراد الغاز من مستدمرة إسرائيل بقيمة عشرة مليارات دولار يذهب ثلث المبلغ لوزارة الحرب الإسرائيلية ،علما أن الشعب الأردني بكليته يرفض هذه الإتفاقية وشعاره:غاز العدو المسروق إحتلال .

المعيقات أمام الدولة المدنية كبيرة وكثيرة وبعضها إستراتيجي ، بمعنى أن الحديث عن الدولة المدنية يجب أن تسبقه نية صدق وعزم أكيد على الوصول إليها ورؤيتها  فعلا واقعا على الأرض،لا ان تكون لمخاطبة الغرب فقط،فالسفارات الغربية قادرة على كشف نوايانا لأن عيونها  أكثر إتساعا من عيون الجاحظ،بمعنى أننا يجب ونحن نتحدث عن الدولة المدنية،أن نبدأ بالعمل الفوري على الأرض لنفاجيء العالم بأننا قول وفعل ،ونعمل من أجل إرضاء شعبنا ونخاطبه هو لا غيره فهو الملاذ وهو السند.

التأهيل الذي أتحدث عنه يعني أطراف اللعبة كلهم من صانع القرار إلى منفذ القرار إلى من ينفذ عليه القرار،بمعنى أنني أخاطب الأقطاب الثلاثة وهم الملك والحكومة والشعب،والسؤال المتشعب هو:هل صانع القرار مستعد فعلا لخوض غمار الدولة المدنية التي ستريحه من العناء؟وهل الحكومة مستعدة بدورها  للحكومة المدنية وقابلة بها؟مع أنني أرى ما يتعلق بالحكومة قولا ساذجا،وهل الشعب مهيأ وقابل للدولة المدنية؟

عند معرفة الإجابة  الصادقة على هذا السؤال المتشعب نحكم إن كان الحديث عن الدولة المدنية بإتجاه تنفيذها ،أم انه كلام للإستهلاك المحلي،ومع ذلك نؤكد مجددا  أن الدولة المدنية هب الحل لكل مشاكلنا السياسية والإقتصادية والإجتماعية،وهي التي تظهرنا امام الاخر بأننا لسنا أقل منه عندما نمتلك القرار،ولم لا وهي دولة الفرص  وإظهار القدرات ،لأن صناديق الإقتراع ستون هي الحكم.

نحن مجتمع عشائري ، وهذه الميزة  تعد من أكبر المعيقات في بناء الدولة المدنية ،التي ستنسف الأسس العشائرية القائمة،وفي حال إنجاز الدولة المدنية يكون القانون هو الفيصل وهو الحامي،فهل يقبل الشعب بالتخلي عن العشائرية لصالح الدولة المدنية؟وهل يضحي شيوخ العشائر بإمتيازاتهم خاصة وان هناك من يصبحون شيوخا بقرار رسمي؟

ونحن أيضا مجتمع كارت غوار أي الواسطة،فهل نتخلى عن هذه الآفة بالنسبة للمجتمع ،والتي تعد بالنسبة لمن يقوم بها مصدرا للتكسب والوجاهة وأمورا أخرى،ونترك الأمر للقوانين والأنظمة،ونتحول إلى دولة المؤسسات والقانون وما في حدا أحسن من حدا؟

هناك قضية لا بد من التطرق إليها وهي أن الأحكام العرفية أفرزت لنا لاعبا قويا وحاسما،وأعني بذلك الأجهزة الأمنية بكل تفرعاتها،وهذه الظاهرة خلقت حالة من الرعب للكثيرين والراحة للبعض،بمعنى أن هناك من كان يضرب بسيف هذه الأجهزة من خلال العمل معها نظير التكسب والحماية وحرية الحركة والعبث،وأعني بذلك ان دور هذه الأجهزة إبان الدولة المدنية  سيختلف عنه قبلها،ولا يفهم  أنني أدعو لترك الحبل على الغارب،لكن يجب تحديد الصلاحيات والتركيز على الواقع الخارجي .

قضية أخرى أقدم على كشفها رئيس الوزراء الأسبق سعد جمعة وهي أننا مجتمع الكراهية،فها نحن مستعدون  لكي نتحول إلى مجتمع متسامح،وهذه قضية القضايا لأن الأحكام العرفية وتغول الأجهزة الأمنية تركت لنا إرثا يصعب تجاوزه من الكراهية إلى درجة الحقد،لأن المرحلة السابقة خلت من المؤسسية والحوكمة وإنفاذ القانون،لذلك كان الظلم سيد الأحكام.

الدولة المدنية التي نتحدث عنها هي الحامي والواقي للجميع،بدءا من صانع القرار وإنتهاء بالشعب مرورا بالحكومة والبرلمان، وما أعنيه هو أن صانع القرار في الدولة المدنية سيكون مدثرا بالشعب،وان الحكومة ستكون مسؤولة عن قراراتها وتنفيذها،كما ان للشعب حرية الموافقة على القرارات الحكومية أو رفضها،فنحن حاليا أمام قضيتين حاسمتين تجاوزتهما الحكومة  رغم رفض الشعب لهما،وهما تعديد المناهج من خلال تفريغ محتواها الديني والوطني والقومي،وكذلك إتفاقية الغاز المسروق من مستدمرة إسرائيل،مع أن الشعب الأردني الأصيل ما يزال  يصرخ في الشوارع رفضا لهاتين القضيتين ولا من مجيب،وبالتالي ما معنى الحديث عن الدولة المدنية التي هي دولة القانون والمؤسسات.

هناك مقولات تبدو في ظاهرها بسيطة لكنها في الباطن عويصة،وهي  أن البعض يردد أنه إبن بلد وأنه خدم البلد،مع ان الدولة المدنية يخدمها حاكمها قبل محكومها،وان كافة المواطنين هم أبناؤها،وبالتالي يجب العمل على  تجاوز هذه الثقافة،حتى يكون الحديث عن الدولة المدنية له معنى.