الغذاء لا يؤكل من أيدي الأعداء

 

بدهية لا جدال فيها ،ولا يجادل فيها عاقلان أو يختلف عليها سويان ،وهي أن الغذاء لا يؤكل من أيدي الأعداء،لأنه لا يطعم إلا كريم ،ولهذا فإن الدول الكبرى المنتجة اللئيمة إستخدمت الغذاء كسلاح لتركيع الدول الفقيرة ،وفرض اجندتها عليها ،ونراها من أجل الحفاظ على الأسعار المرتفعة تتخلص من فائض القمح في البحر كي يأكله السمك ويبقى الفقراء يتضورون جوعا كما تفعل الولايات المتحدة ، وهناك من يتخلص من فائض إنتاج التفاح في البحر أيضا  كما فعلت فرنسا.

أما مستدمرة إسرائيل فإنها تحرص على تزويدنا بمنتجاتها التي لا يعلم سوى الله وحده  كم تصل درجة العبث فيها إنطلاقا من نص في تلمود بابل يقول:"أرسل لجارك الأمراض"،وهذا ما يفسر مضاعفة الأمراض السرطانية في الضفتين الأردنية والفلسطينية ،وعموما فإن المخططين الإستراتيجيين في مستدمرة إسرائيل يهدفون إلى ما هو أبعد من قتلنا ،بل يتجلى هدفهم الأسمى قتلنا سياسيا ونفسيا وإلحاق الهزيمة السياسية المنكرة بنا بواسطة التطبيع،من خلال إغراق أسواقنا بمنتج المانجا على سبيل المثال ،ويعرضونه على الباعة الذين حرمهم الله من نعمة الإيمان  والضمير ، وهم يقومون ببيع الكيلو احيانا بدينار وفي في بعض المرات بدولار،ويقيني أن مكسب مستدمرة إسرائيل من ذلك هو إقتحامنا بطريقة فجة دون ان ندري وهكذا دواليك.

نحن من أوصلنا انفسنا إلى ما نحن فيه وعليه ،فالأردن على سبيل المثال وبغض النظر عن توصيفه السياسي آنذاك كان يصدر أجود أنواع القمح إلى إيطاليا من سهل حوران ،فتقوم إيطاليا بصنع أفضل أنواع المعكرونه منه وتقديمه في أفخم ألمطاعم الإيطالية ، والآن يستطيع أي مراقب للوضع أن يزور مناطق سهل حوران ويكتشف المأساة التي حلت به ،فهو أصبح مزرعة للعمارات الإسمنتية وللكراجات ومعامل الطوب ،وبعضه تحول إلى أرض قاحلة بور.

عزفنا عن الزراعة وهي وسيلة مهمة لتحرير أنفسنا من نير وضغط الأجنبي ،وبتنا نعيش على المساعدات الأجنبية المشروطة والمرهونة بالتخلي عن كرامتنا ،وحولنا أراضينا الصحراوية إلى قواعد عسكرية للأجنبي فوق وتحت ،وحتى أننا رهنّا مياهنا وفضاءاتنا للأجنبي المستعمر ،فماذا تبقى لنا من الكرامة في مثل هذه الحالة؟

نعاني حاليا من ممارسات مستدمرة إسرائيل الخزرية فهي وكماهو معروف تسيطر على كل فلسطين التاريخية ونادمة أشد الندم وغاضبة على بريطانيا لأنها لم تضمن الضفة الأردنية لوعد بلفور ،مع أن بريطانيا فعلت ما بوسعها  لقيام  هذه المستدمرة ،وأريد التذكير بمؤتمر كامبل وزير خارجية بريطانيا الأسبق الذي إستمر معقودا لسنتين 1905-1907 وأصدر وثيقته المعروفة بإسم وثيقة كامبل التي وضعت الأسس الإستعمارية للسيطرة على المنطقة والبحر المتوسط، وبعد عشر سنوات جاء آثر بلفور وزير خارجية بريطانيا بإصدرا  الوعد المعروف بإسمه ،وأعطى من لا يملك لمن لا يستحق ،وبعد 100 عام جاء وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا سايكس وبيكو وقسما منطقتنا على مقاس نوايا بلديهما الإستعمارية.

وهاهي مستدمرة إسرائيل التي غذاها الشريان العربي بالوجود وأعانها على البقاء تصادر ما تبقى للفلسطينيين من أراض  وتضغط عليهم وتهدم بيوت المقدسيين خاصة وتغريهم بالملايين لبيع أراضيهم لكنهم يرفضون ذلك،ولكن إلى متى والمظلة العربية والإسلامية غائبة عنهم؟وها هم المستدمرون في الضفة الفلسطينية يمارسون الإرهاب على أصوله ويقتلعون شجر الزيتون ويحرقون ما تبقى من جذوره في الأرض لأنهم يعتبرون شجرة الزيتون إرهابية وتنبت مرة أخرى.

أوضاعنا لا تسر عصديقا ولا ترضي حتى عدوا ،فها هي المحروسة مصر التي أطعمت العالم ذات مجاعة ،تتحول إلى بلد يئن فيه المصريون من  الجوع والفقر، بعد توقيع السادات المقبور على معاهدة كامب ديفيد ويقوم وزير زراعته اليهودي يوسف والي بتنفيذ المهام الموكلة إليه في تخريب الزراعة المصرية على أكمل وجه.

كما أننا أهملنا السودان وتركناه نهبا للعداء والحرب الأهلية التي أشعلتها مستدمرة إسرائيل الخزرية منذ إستقلال السودان عام 1956 ،وإنتهى المطاف بهذا البلد العربي إلى القبول بسلخ جنوبه عن شماله، ووقوعه تحت حصار أمريكي دولي غاشم إستثنى الصمغ العربي لحاجة الغرب إليه،وعندما ننظر إلى وادي الأردن " الأغوار" الذي يعد سلة غذاء الإقليم يصاب بالذهول،فها نحن نضيق على مزارعينا ونطبع مع مستدمرة إسرائيل ونأكل من منتجاتها ،ونمنع المنتجات العربية من الدخول بحجج واهية .

 

يضمن الأمن الغذائي مكافحة الفقر والجوع والبطالة والحصول على صحة جيدة ، ولكن التطبيع مع مستدمرة إسرائيل سيفاقم الأمور عندنا سوءا ،وستتضاعف كلفة العلاج من الأمراض السرطانية لتصل إلى أرقام فلكية، لأن الحالة عندنا في تزايد مهول ،فها هم الفلسطينيون بسبب تركنا لهم نهبا لمستدمرة إسرائيل يستوردون ما نسبته 75%من غذائهم من السوق الإسرائيلية وفي معظمه غير صالح للإستهلاك البشري وغير آمن صحيا ، وتستخدم المصانع الإسرائيلية  المواد الحافظة الكيماوية،وهذا ما يدعو الشعب الفلسطيني اولا إلى مقاطعة الإحتلال لتصل الأمور إلى الذروة  ،وأن يلحقهم العرب والمسلمون في هذا العمل البطولي .

مطلوب إرادة سياسية  عربية وأن يتحول إسم وزارة الزراعة إلى وزارة الدفاع وان تخصص لها ميزانية فلكية بدلا من ذهاب الدعم العربي إلى وزارات الدفاع و"الحربية "،علما أن احدا رغم الجيوش الجرارة والطائرات لم يصمد أمام جيش مستدمرة إسرائيل يوما.

عندنا في الأردن على سبيل المثال تصرفات زراعية غير مفهومة منطقيا منها أن فائض ناتج البندورة على سبيل المثال يلقى به في الطرقات أو يتم السماح لأصحاب الأغنام ان يصطحبوا أغنامهم للرعي في مزارع البندورة،وفي حالات أخرى يبقى في أرضه دون الإستفادة منه ،علما أن امهاتنا وجداتنا كن يمارسن الأمن الغذائي على أصوله بتجفيف  الخضروات وتخليلها وطبخها"رب البندورة" ،وها هي تركيا تقوم بكل هذه العمليات حاليا.

يتحدث الخبراء العرب عن التكامل العربي في مجال  الزراعة والغذاء ،وكيف يتحقق هذا التكامل ونحن نمتاز بإغلاق الحدود وقطع العلاقات بين الدول المجاورة "الجزائر والمغرب..سوريا والأردن  سابقا..العراق والأردن حاليا ..مصر والسودان وليبيا "وقد وصلت الأمور إلى شن السادات حروبا على السودان وليبيا .

هناك المانجا المصرية والسودانية واليمنية ويمنع دخولها إلى أسواقنا التي أصبحت نهبا للمنتجات الإسرائيلية ،وكذلك البطاطا والجزر  من لبنان وسوريا  ونلحظ إنحسارا في إستيرادها من هذين البلدين العربيين ،بينما نستورد كميات مهولة من مستدمرة إسرائيل،وكذلك التفاح اللبناني وتفاح هضبة الجولان ،الذي فضلنا  عليه التفاح الأمريكي ونستورده  كذلك من بلدان أبعد من ذلك ،ولو إتبعنا فعلا التكامل العربي لكسبنا الشيء الكثير وفي المقدمة إختصار كلفة النقل لقرب المسافات ولضمنا أمننا الغذائي .

أدعو الجميع إلى الإجابة على الأسئلة التالية وهي :من ضرب الزراعة في مصر؟ولماذا الإعتداء على الأراضي الخضراء في الأردن التي تعهد الشهيد وصفي التل بالحفاظ عليها ،لكنها أصبحت مزارع إسمنتية؟ولماذا توقفت السعودية عن زراعة القمح بعد أن حققت فائضا في ثمانينيات القرن المنصرم ؟ولماذا أهمل السودان  وحرم من الدعم العربي؟