انا والبعوض


لازلت‭ ‬أحفظ‭ ‬تعريفا‭ ‬للأستعمار‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الخامس‭ ‬اﻷبتدائي‭ ‬عن‭ ‬ظاهر‭ ‬القلب‭ ‬،‭ ‬وأردده‭ ‬وأنا‭ ‬مغمض‭ ‬العينين‭ ‬،‭(  ‬هو‭ ‬أشبه‭ ‬بالبعوض‭ ‬يقتات‭ ‬على‭ ‬دماء‭ ‬الشعوب‭ ) … ‬مع‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬صورة‭ ‬تتوسط‭ ‬حائط‭ ‬بيتنا‭ ‬لجدي‭ ‬الكبير،‭  ‬التقطت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1914‭ ‬،‭ ‬كان‭ ‬يبدو‭ ‬فيها‭ ‬متورد‭ ‬الوجه‭ ‬لم‭ ‬يخدش‭ ‬وجهه‭  ‬البعوض،‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬باﻷبيض‭ ‬واﻷسود،‭ ‬الا‭ ‬أني‭ ‬المح‭ ‬ملامح‭ ‬الترف‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬كنت‭ ‬أحدث‭ ‬نفسي‭ ‬هل‭ ‬جدي‭ ‬كان‭ ‬عميلا‭ ‬للأستعمار،‭ ‬فأين‭ ‬أثار‭ ‬البعوض‭ … ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬اعترف‭ ‬بهذا‭ ‬التعريف‭ ‬فنشأت‭ ‬علاقة‭ ‬طيبة‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬البعوض‭ ‬وآواصر‭ ‬محبة‭ ‬لا‭ ‬يقطعها‭ ‬الا‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭ ‬القارص‭ . ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يمص‭ ‬دمي‭ ‬حتى‭ ‬يحمر‭ ‬جلدي‭ ‬فأذا‭ ‬ما‭ ‬شبع‭ ‬حمد‭ ‬الله‭ ‬واثنى‭ ‬عليه‭ ‬ثم‭ ‬سار‭ ‬الى‭  ‬أهله‭ ‬وصحبه‭ ‬يخبرهن‭ ‬عن‭ ‬مائدة‭ ‬لذيذة‭ ‬هي‭ ‬دمي‭ … ‬

كنت‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬مبررا‭ ‬لما‭ ‬يفعله‭ ‬البعوض،‭ ‬فما‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬يمتصه‭ ‬هذا‭ ‬الكائن‭ ‬من‭ ‬دمي‭ ‬؟‭ .‬

هو‭ ‬جزء‭ ‬ضئيل‭ ‬هي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬حبة‭ ‬من‭ ‬خردل‭ ‬،‭ ‬والذنب‭ ‬ليس‭ ‬ذنبه‭ ‬فالطبيعة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬جعلته‭ ‬يقتات‭ ‬على‭ ‬الدماء‭ ‬وإلا‭ ‬فمن‭ ‬أين‭ ‬يأكل‭ ‬وكيف‭ ‬يعيش‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يستسيغ‭ ‬غيره‭  …‬

‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬دورة‭ ‬حياته‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬أياما‭ ‬معدودة‭ ‬،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬أتركه‭ ‬ينعم‭ ‬بهذه‭ ‬اﻷيام‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬يحياها‭ … ‬

اليوم‭ ‬كنت‭ ‬اتفحص‭ ‬الوجوه‭ ‬وجدتها‭ ‬ذابلة‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الدماء‭ ‬،‭ ‬كأن‭ ‬جيشا‭ ‬من‭ ‬البعوض‭ ‬قد‭ ‬إقتات‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الوجوه‭ ‬

‭  ‬،هذا‭ ‬البعوض‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬البعوض‭ ‬الذي‭ ‬أحبه‭ ‬وأحترمه،‭ ‬هو‭ ‬بعوض‭ ‬بشري‭ ‬لا‭ ‬يشبع‭ ‬ولا‭ ‬يمل‭ ‬فهو‭ ‬يقتات‭ ‬على‭ ‬دماء‭ ‬ولحوم‭ ‬البشر‭ ‬ويسرق‭ ‬خيرات‭ ‬الوطن‭ . ‬

في‭ ‬أي‭ ‬زمن‭ ‬نحن‭ … ‬

هذا‭ ‬الزمن‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬تعريف‭ ‬جديد‭ ‬يليق‭ ‬بهذا‭ ‬البعوض‭ ‬الذي‭ ‬أمتص‭ ‬كل‭ ‬الدماء‭ ‬وأصابنا‭ ‬بالجفاف‭ ‬والافلاس‭.‬