إحباط أم حقيقة ؟

 

 من السذاجة ( القاتلة) أن ( يخالجني ) شعور أن ما أكتبه وأتناوله ، أنا وغيري من الكتاب والصــــــحفيين والاعلاميين ، أويتحدث به عـــــــامة الناس ( وخاصتهم ) في مجالسهم عن حالات سلبية ظاهرة للعيان  ، لا يعرفها المسؤولون ، وكل واحد منهم  في مجال اختصاصه واهتمامه لكي نذكرهم بها ..

 ومن الغرابة ايضا ( تصور ) أن المسؤولين لا يشاهدون حالة التراجع المريع في مستوى الخدمات بكل انواعها ، بدءا من انتشار القمامة والاوساخ في  المناطق والاحياء  وتحولها الى تلال ، ودلالات ، وعلامات فارقة لها ،  وتطايرها في الشوارع في وجوه المارة  ، وتجاوز البعض على  الارصفة وحرمة الشارع ، كونه ملكية عامة للجميع ، وليست ( شخصية )، وصعودا الى عملية  بناء الانسان  في كل المجالات ، وصناعة العقول في المدارس والجامعات ، وهي اثمن راسمال في ( بنوك المعرفة ) ، والصحة التي وصفت بانها ( تاج فوق رؤوس الاصحاء ) ، ومسيرة  الحياة بكل مجالاتها ، وغيرها  الكثير من الحالات التي باتت تؤثر على المواطن والوطن …

وأكون ( مغرورا  ) بما أكتب ، وبالعنوان الصحفي الذي أحمله ، والصفة الرقابية التي يمنحها الدستور للسلطة الرابعة ان تصورت أن المسؤول يهتم بما يطرح  ضد مؤسسته في الاعلام ، أو تنتابني حالة من اليقين  المطلق بأنه سيبدأ فور قراءة ما يُكتب عنه  بتغيير الحالة المنتقدة الى نقيضها الافضل ، ويرفع العبء الثقيل عن كاهل المواطن ..

 ان كان هناك مثل هذا التصور(  بان المسؤول لا يعرف ما يجري في قطاعه من حالات سلبية ) لا يصلح أن يحمل هذه الصفة ، ولا يحق له أن يتمتع بامتيازاتها المادية والمعنوية ..

وأن صح ذلك التصور تصبح  ( الصحافة  والاعلام  والنقد والرقابة بكل مسمياتها  حاجة كمالية ، او ( ديكورية ) ، او دلالة شكلية فقط على وجود ديمقراطية وحرية وشفافية ) ..

ولكن ما هي الحقيقية ..؟..

 وهل يوافق هذا التصور الواقع ..؟.. أم هو حــــــــالة إحباط تمنع رؤية الحقيقة ..؟..

امثلة كثيرة يسوقها أصـــــــحاب هذا الرأي لتعزيز رأيهم ، ونطالعها فيما نقرأ …

 فعلى سبيل المثال  يتساءل هؤلاء كم كُتب عن أزمة الكهرباء ،  وكم من البرامج التلفزيومية والاذاعية أنتجت ، وكم من الاستضافات أجريت ، وكم من التظاهرات ســــــارت في الشوارع ، وكـــم من التـــــصريحات والمؤتمرات الصحفية عقدت ، وكم من الاعصــــــاب تعــــــبت من هذه الازمة ، وكم  وكم وكم ..؟..

 بالتأكيد كم هائل من هذه الحالات يستعصي على العد والحصر ، ومليارات الدولارات  صرفت ..

ولكن ( ! ) …

هل  تغير واقع الكهرباء بالشكل الذي  يناسب هذا الاهتمام والضجيج والانفاق ، ويستجيب الى رفع المعاناة ، ويحقق حالة الاكتفاء للمواطن من هذه الحاجة الضرورية ، ويغلق باب الاستنزاف المادي  الذي يرهق كاهله بتخصيص جزء من مصروفاته الاساسية الى ( المولدات الاهلية ) التي اصبحت جزءا من الحياة اليومية للوطن ومعالم المدن الجديدة ..

 ومتى تسد الوزارة حاجة البلاد في المرافق الانتاجية  والصناعية والخدمية والزراعية والسياحية لتكون أحد عوامل التقدم والرفاهية للوطن عموما ،  وتوفر فرص العمل فيها الى المواطنين  وتساهم في استقرار البلاد ، اذا كانت  الى الان لم  تستطع أن تسد حاجة المواطن  البسيطة في منزله  …؟!..  وما هو عائد المليارات التي صرفت على مدى السنوات الماضية على الكهرباء ..؟.. وكم من السنوات تنتظر البلاد  لتنعم بكهرباء على مدار الساعة في البيوت والشوارع والمصانع وورش الانتاج ..؟…

وهل الزيادة في الانتاج  تناسب ما صرف عليها ..؟؟..

 ـ نتمنى مخلصين أن تكون الاجابة بنعم وايجابية ، ولكن واقع الحال يقول عكس ذلك مهما كانت  التمنيات ، أو ( تعدد ت) الاسباب التي تسوقها الجهة المعنية ، وهي جهة الاختصــــــاص انتاجا وتوزيعا  وهو مبرر وجودها كمؤسسة ،  خاصة وان المواطن لم يقصر معها في توفير حاجتها  المطلوبة من موازنته العامة…

ملاحظة :

 ما كان بودي أن أكتب هذه الاسطر ( المؤلمة ) التي لا تغير شيئا ، بعد أن كتبت الكثير الكثير  عن الكهرباء … فالكتابة فيها اصبحت مملة ، وبلا طائل ، ومضيعة للوقت ، وتدخل في حقل ( الكتابة في ما لا يفيد ) ،  لكن ما دفعني الى معاودة الضغط على هذا الجرح ، وتحمل ألمه هو رجاء مواطن طلب مني أن اكتب عن الكهرباء  ، بتصور واهم أن ( الكتابة عنها تنفع ) ، او ( أن هناك من يسمع ) ، لان مسلسل الانقطاعات الكهربائية والبرمجة بدأ يضايقه  مع اشتداد حرارة الصيف ،  وفاتورة حصوله على هذه ( النعمة ) ترهقه ، وتزداد معاناته النفسية والمادية ، وتفوق قدرته على التحمل  ، وتؤثر على حالة  التفاؤل التي ( يبشر ) بها المعنيون بتحسن واقع الطاقة الكهربائية بعد خصخصة التوزيع  ، والاستثمار في شركات تولت هذه المهمة ، ولم تترك أي مبرر  بعد الان لوجود وزارة تضم الالاف من العاملين  ، بعد ان  توزعت مهماتها بين ( المولدات الاهلية ) ، وشركات التوزيع والجباية الخاصة ، وكأن الوزارة بهذا الكيان الكبير قد  تخلت عن واجباتها الاساسية ، واصبحت حلقة زائدة بين المواطن وهذه المسميات  على حد قوله …

وترافقت دعوة هذا المواطن لي مع برنامج خاص  بث الاثنين  الماضي في احدى القنوات الفضائية عن واقع  الكهرباء  أثار عجبي  وأسفي معا  لما ذكره  أحد المشاركين من المسؤولين ، ولم  أجد  له تبريرا وهو (  ان هناك جهات تتنامى مصالحها مع استمرار أزمة الكهرباء ) …جعلني أعيد التساؤل نفسه  ( هل الكتابة في الكهرباء تفيد ..) .. وهل لي  بعد ما سمعته أن  أتصور ، أو آمل أن يتحقق شيء مما نكتب ؟!..

– اتمنى مرة اخرى ..

 ولكن …لنترك الأمر الى الواقع  ليحكم .. وهو الفيصل ، ويقضي  ما اذا كنت محبطا في ما نقلت وكتبت ، أم تلك هي الحقيقة ..أم ( نتجنى ) على الكهرباء ( البريئة ) ، التي قامت بواجبها وأكثر على خير ما يرام ، ولكننا ( نغمط ) حقها ( !!) ونقابلها ( بما لا تستحق ) (!! )… ؟؟…

                     { { { {

كلام مفيد :

سابقا كانوا يصنعون الاسلحة لشن الحروب ، واليوم يصنعون الحروب لبيع الاسلحة.. (  ارونداتي روي – كاتبة هندية وناشطة سياسية ) ..