العراقي وذاكرة السمك

 

يقولون بان اقصر ذاكرة في جميع الكائنات هي ذاكرة السمك واهلنا في العراق يصفون الطيبين والمتسامحين مع اعدائهم" كَلب سمجة " وهذه من فضائل الباري ان يكون للسمك ذاكرة قصيرة جدا, والا لمات الصيادون من الجوع والفقر,فلو ان السمك اتحد وكوّن حزباً ديمقراطياً " زفراً " لايسمح بسقوط ايِّ من اعضاءه فريسة سهلة في شباك الجشعين من الكائنات الاخرى , وقررـ اي حزب السمك ـ المكوث بجميع افراده في الاماكن الاكثر امناً واستقراراً لحفظ نسله وسلالته من الانقراض! لما حصل الذي حصل, فهو في كل الاحوال ماكول مذموم , فلماذا يجب عليه اطعام من لايشكر والتضحية في سبيل القتلة من الصيادين وغيرهم.

دعونا من السمك الان وافكاره الفطيره لانه لم يتحد يوماً على رأي واحد منذ ان انجبته هذه الحياة وفي ذلك فوز للصيادين وايتامهم ولنتكلم عن ذاكرته وانتقال عدواها الى اغلب ابناء الشعب العراقي في الاونة الاخيرة وراح يتناسى ماحدث سابقا من سقوط حر في شباك البعث او مايحدث له الان من قتل بالمفخخات والاحزمة الناسفة وبذلك سمح للكثير من المنافقين والافاقين ممن لبس بدلة وربطة عنق وحلق شاربه الكث ليكون اكثر ليبرالية وتحضر بعد ان اكل الزيتوني من جسده الكثير, وللامانة الادبية اقول بانهم كانوا اكثر اناقة في ملابس الذل والمهانة البعثية, فكامرات الامس افقدتنا معرفة الكثير من البعثيين لانها كانت حكرا للقائد المهووس وحاشيته, اقول سمح هذا الشعب المصاب بالزهايمر الجزئي لهم بالحديث مجدداً عن حقوق ومطالب مشروعة وعودة البعث والبعثيين وكأنّ شيئاً لم يكن, ومافات مات وهنيالك ياصاحب المصالحة الوطنية, وقليل من البعثيين ربما يدفع مفخخات كثيرة بأذن القائد!!.

راهن حيدر الملا من جانبه على ذاكرة السمك هذه ,وبكى مذبحة الحويجة واراد وجماعته اعطائها صفة جريمة ضد الانسانية وهذا يعني ادانة للحكومة تمهيداً لمحاكمتها , والقضية لم يكتمل التحقيق فيها بعد لان اللجنة استمعت لطرف واحد في الحادثة ,وهذا مادفع اثنان من اعضائها للانسحاب منها , وكعادة الملا شطح بخياله المتبعثي بعيداً , ليصف الفريق اول علي غيدان قائد القوات البرية بانه مثل العريف الركن علي كيمياوي , وتغافل هذا الديمقراطي بالسليقة بان علي غيدان ضابط برتبة كبيرة ومهني ملتزم ,اما صاحبه فانه نائب عريف اتى منصبه بدون وجه حق وكان يستمتع ويفتخر بقتل العراقيين, وشتان ما بين الاثنين فالمقارنة حقيرة ومعيبة, وعلى الفريق اول علي غيدان تقديم شكوى للقضاء على هذا الوصف الذي لايشرف ان يوصف به ابسط الناس فضلا عن قائد كبير في الجيش العراقي , الانكى من ذلك بان هذا " المناضل " تحديدا شكك قبل سنتين بجريمة مكتملة الجوانب وجناتها في يد العدالة واعترفوا بفعلتهم النكراء ولم يطالب بوصفها جريمة ضد الانسانية رغم توفر صور القتل والاماكن التي تمت فيها مجزرة عرس الدجيل المعروفة, بل راح هذا النائب ليتأكد من اهالي الضحايا وطالب بلقاء اهل العروس المغتصبة, فما كان من اهالي الدجيل الشرفاء الا طرده وجماعته شر طردة , وقد عتبت في حينها عليهم من شحة القنادر التي كان يجب ان تشيع هذا المستخف بالدم العراقي.

بعض الاحزاب السياسية خلال فترة الانتخابات استغلت خبر تعويض بعض المحسوبين على فدائيي صدام كضباط التدريب ومنحهم حقوق تقاعدية ورغم عدم دقة الخبر وتصويت نفس هذه الاحزاب عليه في مجلس الوزراء ,راحت تصرخ في الاعلام بهذه الجريمة التي تريد الحكومة ارتكابها, ولم يمر اكثر من اسبوعين حتى امتنعت نفس الجهات التصويت على قانون تجريم البعث معتمدة طبعا على الذاكرة السمكية لدى الشعب!.

الكثير من الاعلاميين والساسة يطرحون الان مقارنات بائسة بين الحكومة الحالية والنظام البعثي ويفضلون الاخير في الكثير من الامور وفي مقدمتها الامان!! حتى ان بعض الناس تقول في حديثها عن الارهاب , انشاء الله يعود الخير والامان كما في السابق! ربما يقصدون عودة البعث في اللاوعي لان اليشوف الموت تهون عليه الصخونة, والبعث كان صخونة دائمة للشعب العراقي كله وموت احمر للمعارضين والمشكوك بولائهم ونواياهم.

عول حسين كامل على الذاكرة العراقية وصرح من مقر اقامته في الاردن في منتصف التسعينات بان يديه نظيفتان من دماء العراقيين!! مع ان حادثة الانتفاضة واستباحة مدينة كربلاء وقتل ابنائنا وقصف المقدسات الشيعية لم يمض عليه وقت طويل , كرر هذا القول الرفيق وفيق السامرائي مدير الاستخبارات العسكرية في حكومة البعث في احدى الفضائيات قبل السقوط , ولكن لانعرف لماذا ترك منصب مستشار الرئيس؟ وقفل هارباً الى حيث يقيم اغلب البعثيين الان, بعض ممن التقينا بهم من احباب القائد هنا في اوروبا كانوا يعيبون علينا رفع السلاح في وجه الحكومة الشرعية!! في انتفاضة 1991,وانها لاتثريب عليها ان قتلتنا وشردتنا لان هذه طبيعة الامور , فالامن الوطني اغلى من دمائنا الرخيصة , الان يشتمون الحكومة الرافضية ويتهمونها بالعمالة لانها تقتل" شعبها " ولاتلبي مطالب الذباحين وقطاع الطرق في المناطق الغربية.

عندما اندلعت شبه الحرب الاهلية في السنوات الماضية وحصدت ماحصدت من الارواح البريئة ,اوعز الكثير من الكذابين والمنافقين اسبابها الى اشتراك طرفي النزاع في اشعال فتيلها, دون الاشارة الى المقدمات الحقيقية لها, وردد ورائهم ببغاوات المسافة الواحدة هذا التزييف الواضح بحجة وأد الفتنة , وهاهي تطل برأسها من جديد رغم انوفهم المعطوبة عن شم نتانة الطائفية ومواطنها.

كل هؤلاء وغيرهم يراهنون على الذاكرة العراقية المتعبة ويغيروا مواقفهم واقوالهم وتاريخهم, كي يرموا بشباكهم من جديد ليصطادوا كميات كبيرة اخرى من السمك الساذج والصالح للاستهلاك السياسي, ونسيان التاريخ الفاضح لهؤلاء المنافقين بسهولة, كما نسي العراق المواقف الطائفية القذرة للشعوب العربية وقادتها وهاهو يبحث عن تواصل حميم مع الذباحين وآكلي الاكباد ورسل الموت والخراب .