مقدمة : كتبت هذا المقال منذ بضعة سنوات , ولكنني ترددت في نشره . وبما أن اليوم الأربعاء 31 / 12 : 2014 هو اليوم الأخير لعام 2014 قررت أن انشره كي يطلع عليه العدو والصديق , المادح والقادح , المحب والمبغض .
أقول :- الكاتب كتلة من الإحساس ويجب عليه أن يحمل معاناة وأوجاع الفقراء ..وما من مسؤولية أهم واخطر في المجتمع من مسؤولية صاحب القلم ... ذلك انه يجاهد بقلمه ليرفع مستوى الأفراد , ويغذي مشاعرهم ويفتح عقولهم , ويبصرهم بمواقع أقدامهم , ويعرفهم عن كل شان . لان أهمية الكلمة التي يكتبها تنبع من أهمية الدور الذي تلعبه في حياة الإنسان ... فلو أن الكلمة عاجزة أو قاصرة عن التعبير عن حاجاته لوجدناها تندثر كما اندثرت غيرها من الوسائل والأدوات التي كان يستعملها الإنسان منذ وجد وعبر مسيرة حياته .وتزداد أهمية الكلمة عند صاحب القلم العربي لأهمية الحاجة إليها بالنسبة للشعوب العربية . ذلك إننا نجد اليوم في مجتمعنا انحسارا الكاتب الجريء والصريح في زاوية لا يصلها الضوء لان أكثر الناس شغلوا عن أمر غيرهم ..!! فكانت كتاباتنا في واد وهم في واد أخر وما بيننا ينطوي صوته ويضيع صداه .
إن أي إنسان ومهما يكن مستواه العلمي والثقافي المبدئي والأخلاقي والعقائدي والوطني يظل يعيش في جحيم الندم والندامة ويمزق قلبه الأسى وتفترسه الهموم , ويظل ساخطا على نفسه وقلمه الذي مدح أهل الباطل وهكذا سلوك يتقاطع والأصالة والنقاء والوطنية ونظافة اليد والضمير. وأنا ( الكاتب والصحفي ماجد الكعبي ) واحد من الذين ندموا وتأسفوا بمرارة على كل كلمة أو ثناء أو إطراء أو دفاع أو موقف قدمته إلى شخص أو رئيس أو وزير أو وكيل أو برلماني أو مدير في الدولة والحكومة العراقية ومهما كان موقعه وموقفه ومعطياته خاصة بعد أن تبين وانكشف انه لا يستحق حتى كلمة الشكر , وإنني نادم اشد الندامة على حسن ظني بأناس لا يمتلكون المعايير الإنسانية والدينية والأخلاقية , ويتنصلوا عن جذور القيم والموقف الوطني والإنساني .
إنني أعض بنان الندم على ما فرطت به من قناعات وكتابات خدعت نفسي بها وأنا اعرف وعرفت بان كل الذين منحتهم الثقة والمدح والمديح قد خيبوا ظني وعصفوا بثقتي بهم واطمئناني إليهم لأني كما عرفتهم ووجدتهم لا يأبهون ولا يكترثون إلا بامتيازاتهم وطموحاتهم اللامشروعة والتي لا تعرف الحدود ... إنني أحاسب نفسي هل حقا إنني كنت غبيا أو مخدوعا أو مقتنعا بقناعات وهمية حتى رحت أكيل الثناء والإطراء إلى زمر شغلتهم أنفسهم عن آهات ومعاناة ومآسي وصرخات الفقراء .. وشغلهم حب الدنيا والمال والكراسي والمواقع حتى عن رفاق دربهم الطويل , وعن الذين يحبونهم ويدافعون عنهم ويضخمون عطاءاتهم وتسلكاتهم رغم ما فيها الكثير من السلبيات وتلحق أفدح الخيبات في النفوس . نعم كنت ضحية لهذا التصور الذي خدعت به نفسي وقدمت باقات من الاعتزاز والتقدير لكل الذين كنت أتصور بأنهم رموزا عالية للعطاء والنخوة والشهامة التي ينتظرها كل مواطن محاصر وفقير . ولكن يا للأسف المرير قد خابت كل ظنوني وأخفقت كل تصوراتي , فها أنا أعلن أمام الملا وبصوت جهوري بأنني في اشد حالات الألم والندم لأني قدمت وقدمت الكثير الكثير من العطاءات والتشكرات لعناصر كنت أتصور بأنهم لا بد في يوم ما أن يمدوا يد العون والمعاضدة للمساكين والبؤساء والفقراء , ولكن بئس تصوري الذي راح في مهب الريح , وإنني اسحب كل كلمة ايجابية كتبتها أو نطقتها باتجاه أي شخص تبين لي انه لعبة بيد المتنفذين والمتحكمين والذين يرتعون ويسبحون في طوفان هائل من البذخ والهناء والسعادة في حين الفقراء وأنا وأمثالي وأبناء الشعب المنكوبين نتلوى على بساط من الجمر .
فيا أيها المعنيون هل تظنون بان الله والتاريخ سيغفر لكم هذه الخطيئة التاريخية ..؟ وحاشى الله أن ينسى كل عادل ومنصف ومظلوم وظالم وجائر ومتطاول فعنده تجتمع الخصوم . إن الذي حطمني وشل قلمي هم الذين شمتوا بي وبمواقفي , وقال: البعض منهم بالحرف الواحد هل وجدت بين المسؤولين من قدر مواقفك الشريفة يا ماجد الكعبي ..؟ وقال أخر : ماذا جنيت من مقالاتك وأعمدتك وآراءك الوطنية..؟ وقال ثالث : ماذا حصدت من الذين دافعت عنهم ..؟ وقال رابع : ماذا كسبت من تأيدك القوي للتغيير الذي حصل في العراق ..؟ وقال خامس : كم أصبح عدد أعداءك بسبب نهجك المبديء ..؟ أقول : سحقا لقلمك يا ماجد لأنك وضعته في خانة لم يقام لها أي وزن واعتبار من قبل أصحاب البطون التي جاعت ثم شبعت . فأسئلة الشماتة أخرستني ولجمت لساني وجعلتني ازداد ندما على ندم وبؤسا على بؤس . فلنا الله .. والله لا يضيع حق المهضومين والمهمشين والمضطهدين الذين دعموا المسيرة العراقية الجديدة بأقلامهم وأصواتهم ومواقفهم العلنية وقدموا الدماء الزكية والأتعاب والمتاعب والغربة والسجون والتشرد وبكل الصدق والإخلاص ومن اجل الوطن والمواطن, ولكن بلا طائل مادام المتحكمون لا يكترثون بأصالة وجذور وتاريخ الكتاب والصحفيين والمبدعين الأشراف الذين لم ولن يركعوا لصدام وعنجهية حزبه , ولن ولم يتوسلوا ويستجدوا العطف والتعاطف من النكرات وأمثالهم ومن على شاكلتهم .
إن الذي أريد تأكيده للجميع ليس عيبا أن اندم على موقف أو مقال أو رأي أعلنته , ولكن العيب أن أبقى مستمرا على معاضدتي ومساندتي لأناس لا يفقهون ولا يقدرون المواقف الوطنية الأصيلة , فهم حاضنات لكل من يسبهم ويلعنهم ولا يأبه بهم ولا بسياستهم ولا بشخوصهم ولا بمواقفهم لأنهم قد فضحوا أنفسهم , ولا مكان للشريف والمخلص والمضحي بينهم , فالي الله المشتكى وعنده تحتكم الخصوم .
i
مقالات اخرى للكاتب