في بلادنا ، لا تراهن على انسانية المثقف ابداً ، ولا تتوقع ان تترك معارفه اثراً على آدميته ، انه لا يختلف في ذلك عن اصغر جاهل ، ربما يمكنك أن تراهن على ثقافته فقط وقد تكتشف لاحقاً انها لاشيء أيضاً.
انت تريد نموذجاً لمثقف متصالح مع نفسه ، يغرف من ثقافته ليسقي انسانيته المتخشبة لكنك لا تعلم ان ، الثقافة لم تعد رسالة لخدمة البشرية ، خاصة في اوطاننا ، انها سلعة ومهنة سيميل صاحبها لمن يدفع أكثر ، وبما تدره من مال وشهرة وسفرات وجوائز ، فلا تصدق بالكليشيهات الجاهزة التي تقال .
المثقف ليس ملاكاً يا صديقي ، فلا يغرنك تخصصه العلمي أو الأدبي ، البحثي ، شهاداته المتراكمة ، فيبدو انها لم تستطع ان تترك أثراً واضحاً في ترويض نزعته الطغيانية المستمدة من ثقافة المجتمع ولم تستطع أن تطهر روحه المثقلة بالآلام والعثرات .
تشدقه بالكلام عن اللاهوت وعن الإلحاد والعلمانية والليبرالية لم يخلصه من كرهه للآخر الذي يختلف معه في العقيدة التي يدعي انه هجرها ، فلا تتوقع ان ينتصر للآخر المختلف معه طائفياً ولو سالت أمامه انهاراً من الدماء ولو سار على جبال من الجماجم !
لا تستغرب من موافقه عندما تكتشف أنه عنصري حد النازية و طائفي حد القاعدة !
لا تنتظر من مثقف ان ينتفض لإنصاف الضحايا ، أن ينتصر للإنسان ، لكن توقع منه بركاناً لو اقتربت من ممتلكاته المادية والمعنوية .
أنت تريد به أن يعود ليوم ولادته الأول مجرداً من كل الميول والإعتقادات لأنك صدقت ما يقول ، لكن تذكر ان اكثر المتطرفين من رجال الدين يقولون ذلك وهدفهم هو العدالة والمساواة .
أنت تراهن على حصان خاسر يا عزيزي ، فالمثقف في بلادنا هو حصان طروادة في كثير من الأحيان ، انه وجه آخر للسلطة ومكون مهم فيها وسبب أهم في ديمومتها بشكلها الطغياني والإستبدادي .