قبل اعوام خلت ،كان كل شيء يسير ببطء. وذاك الحزن نحمله في جيوبنا ..كل يوم كحبة البار استول التي نخفف به الم الراس ، اذكر كيف كانت الطائرات تحلق فوق رؤوسنا ..ونحن نحتمي تحت مظلات الصفيح الساخن. كم كنا اغبياء هل يستطيع هذا الصفيح حمايتنا؟ عجيب ..امر هذا الزمن ،الطائرات تحلق فوقنا بكل حلاوتها …نعم حلاوتها … اليست جميلة ونحن الذين تعودنا عليها ..وما انفك يوم الاوشممنا رائحة البارود ،البارود الذي رضعناه مع حليب امهاتنا …. النهار الجاف ..الامس البارد ..انها الحرب التي تنزل عجلاتها تبتدئ قيامتها معنا، كنت مؤمنا ان الموت واحد … وحصيلة الاشياء هي الفناء .لكن علينا ان نكون كما عهدنا انفسنا حين وقفنا بساحة العرضات في الكلية العسكرية … حين رددنا القسم والنشيد الوطني ،عندما عاهدنا الله .. ان نكون جنودا اوفياء لخدمة هذا الوطن ..الان تغير كل شيء تغيرت حتى ساحات العرضات المرتبة .. والتي نشم عطورها على بعد مسافة ..تغير كل شيء .المقاتل الذي كنت احمله انا ..صار دمية يرشدها السفهاء من الرجال. وتمتثل لأوامرهم اليومية كم غبي انت ايها الزمن ..اذكر ان امي ذات يوم قد حضرت بكامل اناقتها وعفتها .. وهي ترتدي فوطة بيضاء وتهلهل بمناسبة تخرجي من الكلية …كانت تشمني بعمق … ولكني ادرك جيدا انها كانت تشم رائحة الوطن التي تحت قميصي . ما الذي تغير ،الحمير يرتقي السلالم .. والابطال ينتظرون بريق الانتظار ..الحمير يقود الازمنة ..ونحن ننتظر برعب .. بذهول لهذه الازمنة، ازمنة الحمير ..حمير الازمنة .. الايام تمضي ونحن نرجع للخلف انهم تعودوا على الرجوع للخلف … للقرون الوسطى ..تأخرنا كثيرا ايها البعران ..ولا احد صعد على التل. اليوم حدثتني احدى الاخوات في الشارع .. (على الخير برجوع رتبتك العسكرية .. والله يابه حقك ورجع) ضحكت كثيرا .. مت من الضحك …اي حق تتحدث عنه هذه المرأة ..هي لا تدري انني اقسمت في ساحة العرضات سنة 1987.اقسمت ان اصون الامانة .. الامانة التي في عنقني تنازلت عنها ولن اصونها بعد الان.. ما دمت ائتمر بأوامر الاطفال..الذين اكبرهم بعشرين سنة .. هؤلاء الذين لم يرضعوا روائح البارود مثلنا … ذات يوم سالت احد الاصدقاء وهو الاعلامي المميز .. والشاعر الكبير.. قلت له بالحرف الواحد لماذا لا يعاد حقي لي. يجيبني بالحرف الواحد (يامعود كوه ثبتناك بالوظيفة)وكان الوظيفة هي ليست استحقاقي ..وانا على يقين انه يعرف انني من الذين رضعوا البارود ايضا ..ياصديقي دعنا نعيش بالقدرة. انه زمن غاية في القهر ..والسخافة ..الناس البسطاء ..لا يحلمون سوى على مقاسهم.
مقالات اخرى للكاتب