ما لا يقله بريمر في كل ما قاله هو اكتشافه طريق خاص في النهج الديمقراطي الذي تعمل به النظم السياسية في الدول الغربية بشكل متقدم وتعتبره معيار أساسي لتقيم أنظمة الحكم في باقي الدول بل لا تخف تدخلها في شؤون الآخرين دفاعا عن عنه واستطاعت عبر دعايتها الإعلامية الكبيرة أن تقنع شعوبها بالتضحية من خلا ل التدخل العسكري و أنفاق المليارات لجعل الديمقراطية قيمة حضارية عليا لشعوب العالم، وبغض النظر عن النوايا سواء كانت حسنة أم هي إستراتيجية مصالح عليا وحفاظ على الأمن القومي لا يمكن نكران أن أنظمة الحكم الشمولية والتفرد بالسلطة من قبل شخص أو حزب أو قومية أو طائفة أصبحت منبوذة من قبل شعوبها ومهددة بالزوال ا ن لم تقم بإصلاحات حقيقية ومدروسة للانتقال السلمي إلى الديمقراطية وإلا سيحل العنف والعنف المضاد والخراب والقتل هذا ما حدث في الشرق الأوسط وأطلق عليه الربيع العربي الذي لازالت نيرانه تحرق الأخضر واليابس وشكل تراجعا بارزا على كل الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية بل زاد من معاناة الشعوب ،صحيح أن شعوب الربيع العربي أزاحت عروش الاستبداد إلا إنها بسبب الفوضى وقلة الوعي السياسي وتراجع الانتماء الوطني وحماسة التغير العشوائي تمكن لاعبي الاحتياط القفز من منصة الاحتياط إلى مربع الملعب بدون خبرة وبشهوة الشهرة والانتفاع من الفراغ الذي أحدثه التغير السريع زاد من تعقيد المشهد وضاعت الديمقراطية بين أقدامهم يتقاذفونها كما يشاءون وفقد المدرب الغربي خططه وسيطرته عليهم .
نعود إلى بريمر وطريقه الخاص للديمقراطية في العراق ، بالرغم من إن هناك تعاريف عديدة لها إلا أن المفهوم واحد ينحصر في أن يحكم الشعب نفسه بنفسه من خلال ممثليه الذي ينتخبهم ليشرعوا قوانين تنظم الحياة بكل جوانبها ويضعوا السياسة العامة لإدارة شؤون الحكم ويقدموا الخدمات التي تهدف إلى رفاهية المجتمع ويدافعوا عن أمنه وأمانه ويشيعوا العدل و الإنصاف كل ذلك من خلال سلطات منفصلة يراقب بعضها البعض يمارسها موظفون يؤمنون بالتداول السلمي للسلطة . بريمر بإخراجه العملية السياسية العمياء في العراق بظروف الاحتلال رسخ مفهوم الديمقراطية بالعملية الانتخابية وباللون البنفسجي و تلاقفها السياسيون لخدمة مصالحهم والقبض على السلطة بأسنانهم ووقفوا كحاجز كونكريتي أمام تغير هذا المفهوم بل رغم اختلافاتهم وصراعاتهم جاهدوا في تأكيده ، أما الأخطر من ذلك أن ديمقراطية بريمر تستند على ديمقراطية طوائف ومكونات ولا علاقة لها بديمقراطية وطن فقد احدث فيها ثلاثة خطوط شيعية وسنية وكردية لكل منهم أحزابه وقادته وبرامجه وخططه وللأسف شعبه وأجلسهم على قمة واحد لاتسع لهم فتداخلت الخطوط وأصبح كل منهم يدخر كل جهده وإمكانياته وسلطته لأزاحت الآخر ورميه من القمة إلى الهاوية ، في ذروة صراعهم يصرخون بأعلى أصواتهم بأنهم ديمقراطيون وبأنهم حماة العملية السياسية ، والأشد خطورة في ديمقراطية بريمر ترك مكان فيها لتركيب أريل، سارع السياسيون إلى وضعه في مكانه وسمحوا لدول الجوار والأبعد منها التدخل في الشأن العراقي كل حسب ما يهوى ويتوافق مع أجندته ويستقوي به على خصمه.
بريمر رجل تاريخ سجل تاريخ محو وطنية شعب عمره سبعة ألاف عام.