رويدا رويدا بدأ الضباب ينقشع عن المشهد العراقي بعد الانتخابات، ومعها تتبلور الرؤى و تزداد القناعات أکثر فأکثر بعودة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالکي لولاية ثالثة أثارت و لاتزال تثير جدلا واسعا على أکثر من صعيد.
من يطالع و يتمعن في تصريحات و أحاديث المالکي، يجده کالحمل الوديع و کمن لايريد إلا الخير و السلام و الاستقرار للجميع، مع ملاحظة ترکيزه على القضايا الوطنية بشکل ملفت للنظر ولاسيما سيادة العراق و وحدته الوطنية، والذي لاشك فيه أن المالکي يطرح نفسه کقاسم مشترك أعظم بين العراقيين و جامع و موحد لکلمتهم و مواقفهم، غير أن حصيلة تجربتين مريرتين لولايتين متتاليتين لاتتفق مطلقا مع الطرح الجديد للمالکي بل وان هناك فيهما الکثير من الذي يناقض هذا الطرح جملة و تفصيلا و لايلتقي معه بالمرة.
مختلف الأطياف و الاتجاهات السياسية العراقية لها تجارب غير طيبة مع المالکي و لکل واحدة منها أکثر من ملاحظة خاصة، بل وحتى هنالك إنقسام و تشتت داخل البيت الشيعي نفسه ضد عودة المالکي لولاية ثالثة، والذي يبدو ظاهرا للعيان من خلال السيد مقتدى الصدر و السيد عمار الحکيم، لکن في نفس الوقت و بقدر ماهناك معارضة قوية من لدن مختلف الفرقاء العراقيين لعودة المالکي، فإن هناك إتجاها قويا في طهران لإلتزام سياسة تبذل کل مابوسعها من أجل دعم المالکي لولاية ثالثة، وهو أمر صرحت به بعض من الاطراف العراقية على أثر تسريبات إيرانية مقصودة، بل وحتى أن هناك من يعتقد بأن کل الذي يجري مجرد فاصل مسرحي او مقطع من سيناريو معد مسبقا و ستکون النهاية بتتويج المالکي لولاية ثالثة!
قبل و أثناء و بعد الانتخابات العراقية، ومع إشتداد الدعوات و التصريحات و المطالب المختلفة من جانب الاطراف العراقية بضرورة عدم التجديد للمالکي لولاية ثالثة و رفض ذلك رفضا مطلقا، وهذه الدعوات کانت لها تأثيراتها و أصدائها على طهران التي إضطرت للإدعاء و على لسان قاسم سليماني قائد قوة القدس(!)، بأنها تقف من جميع الاطراف العراقية مسافة واحدة و ان صناديق الاقتراع هي التي ستحدد من سيتولى رئاسة الوزراء، غير ان الذي جرى و حدث من جانب طهران و شخص سليماني ذاته غير ذلك الزعم تماما، فقد کان هنالك و أثناء وبعد الانتخابات غرفة عمليات خاصة يشرف عليها قاسم سليماني من أجل دعم المالکي في الانتخابات، وکانت المفاجأة أن نتيجة الانتخابات جاءت غير ملائمة للجميع رغم انها أعطت أکثر من موطئ قدم للمالکي و ميزته عن الاخرين، لکن جرى کل ذلك بحذر و حذاقة متمرس بالشأن العراقي نظير سليماني!
قيل و يقال الکثير عن عودة او عدم عودة المالکي لولاية ثالثة، غير أن الذي لاشك فيه أبدا هو ان الامر محسوم وان المالکي عائد کي يمتطي فرس الولاية الثالثة ولامناص من ذلك، لکن ماذا سيترتب على عودة المالکي لولاية ثالثة؟ بطبيعة الحال هناك الکثير من الاحتمالات و التوقعات أهمها:
ـ شق وحدة الصف بين معارضيه کجبهة ضده و تفتيتها بحيث لاتقوم لها قائمة خلال الاشهر القادمة.
ـ إستهداف البيت السني بصورة خاصة و جعله ممزقا و منقسما على نفسه أکثر من أي وقت مضى، وهناك من يتوقع سيناريو إختلاف و مواجهة سنية ـ سنية سيقوم المالکي و من خلفه إيران بتغذيتها بصورة خاصة کي تنتهي و تتلاشى کجبهة معادية للمالکي و للنفوذ الايراني في العراق.
ـ إستهداف الاکراد ولجم تحرکاتهم الانفصالية و الاعتراضية ضد المالکي، وبطبيعة الحال هناك أيضا أکثر من سيناريو بإنتظارهم إذ بالاضافة الى سيناريو بث الاختلاف و الفرقة بين القوى الکردية العراقية نفسها، فإن سيناريو تحريك الجماعات الکردية المتطرفة و کذلك إستقدام مجاميع قاتلت و تقاتل الى جانب داعش في سوريا للتأثير على إستقرار الاقليم، کلها إحتمالات قائمة وهي فاتورة حساب مالکية ـ إيرانية ضد الاکراد لمواقفهم التي ذهبت أبعد من اللازم.
مقالات اخرى للكاتب